الباحث القرآني

ولَمّا نَفى عَنْهُمُ المُساواةَ مِن غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِأهْلِ التَّرْجِيحِ لِيَشْتَدَّ التَّشَوُّفُ إلى التَّصْرِيحِ فَيَكُونُ أثْبَتَ في النَّفْسِ وأوْقَرَ في القَلْبِ، كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فَمَنِ الرّاجِحُ؟ فَقالَ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ: أوْقَعُوا هَذا الفِعْلَ، وهو إيمانُ المُخاطَبِ مِن أنْ يُكَذِّبُوهُ بِشَيْءٍ مِمّا يُخْبِرُ بِهِ عَنِ اللَّهِ، وقَصَرَ الفِعْلَ وهو في الأصْلِ مُتَعَدٍّ لِيُفِيدَ أنَّهُ لا إيمانَ غَيْرُ هَذا، وإنْ وُجِدَ غَيْرُهُ فَهو عَدَمٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وكَذا كُلُّ فِعْلٍ قُصِرَ فَهو عَلى هَذا المِنوالِ لِيُشارَ بِهِ إلى أنَّهُ لِعَظِيمِ نَفْعِهِ لا فِعْلَ مِن جِنْسِهِ غَيْرُهُ ﴿وهاجَرُوا وجاهَدُوا﴾ ولَمّا كانَ المُحَدَّثُ عَنْهُ فِيما قَبْلُ المُجاهِدَ في سَبِيلِ اللَّهِ، اقْتَضى المَقامُ تَقْدِيمَهُ عَلى الآلَةِ بِخِلافِ ما في آخِرِ الأنْفالِ؛ فَإنَّ المَقامَ اقْتَضى هُناكَ تَقْدِيمَ المالِ والنَّفْسِ لِما تَقَدَّمَ مِن مُوجِبِهِ في غَيْرِ آيَةٍ - كَما سَلَفَ بَيانُهُ، وأيْضًا فَفي هَذا الوَقْتِ كانَ المالُ قَدْ كَثُرَ، ومَواضِعُ الجِهادِ قَدْ بَعُدَتْ، فَناسَبَ الِاهْتِمامُ بِالسَّبِيلِ؛ فَلِذا قَدَّمَ ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيْ: مُخْلِصِينَ لَهُ؛ لِأنَّهُ المَلِكُ الَّذِي لا كُفُؤَ لَهُ، ثُمَّ أتْبَعَهُ قَوْلَهُ: ﴿بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ﴾ فَصَرَّحَ بِالنَّفْسِ تَرْغِيبًا في المُباشَرَةِ بِها ﴿أعْظَمُ دَرَجَةً﴾ أيْ: مِن جِهَةِ ارْتِفاعِ الدَّرَجَةِ، وهي الفَضِيلَةُ المُقَرِّبَةُ إلى اللَّهِ. (p-٤١٨)ولَمّا لَمْ يَكُنِ العِبْرَةُ إلّا بِما عِنْدَهُ سُبْحانَهُ، لا بِما عِنْدَ النّاسِ، قالَ تَعالى: ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيِ: المَلِكِ الأعْظَمِ مِن أهْلِ السِّقايَةِ وما مَعَها مِن غَيْرِ إيمانٍ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ بِشَواهِدِهِ، وإنَّما لَمْ يَذْكُرِ المُفَضَّلَ عَلَيْهِ لِيُفِيدَ أنَّ فَضِيلَتَهم عَلى الإطْلاقِ، فَيَكُونُ المُفَضَّلُ عَلَيْهِ مِن جُمْلَةِ المَدْلُولِ عَلَيْهِ، وكَرَّرَ الِاسْمَ الأعْظَمَ لِمَزِيدِ التَّرْغِيبِ لِخَطَرِ المَقامِ وصُعُوبَةِ المَرامِ؛ وأفْهَمَ هَذا أنَّ تِلْكَ الأفْعالَ شَرِيفَةٌ في نَفْسِها، فَمَن باشَرَها كانَ عَلى دَرَجَةٍ عَظِيمَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلى مَن لَمْ يُباشِرْها، ومَن بَناها عَلى الأساسِ كانَ أعْظَمَ؛ ثُمَّ بَيَّنَ ما يَخُصُّ أهْلَ حِزْبِهِ فَقالَ: ﴿وأُولَئِكَ﴾ أيِ: العالُو التُّرْبَةِ ﴿هُمُ﴾ أيْ: خاصَّةً لا أنْتُمْ أيُّها المُفاخِرُونَ مَعَ الشِّرْكِ ﴿الفائِزُونَ﴾ أيْ: بِالخَيْرِ الباقِي في الدّارَيْنِ دُونَ مَن عَداهم وإنْ فَعَلَ مِنَ الخَيْراتِ ما فَعَلَ؛ لِأنَّهم تَرَقَّوْا مِنَ العَبْدِيَّةِ إلى العِنْدِيَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب