الباحث القرآني

ولَمّا نَفى عَنْهم أهْلِيَّةَ العِمارَةِ، بَيَّنَ مَن يَصْلُحُ لَها فَقالَ: ﴿إنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ﴾ أيْ: إنَّما يُؤَهَّلُ لِذَلِكَ القُرْبِ مِمَّنْ لَهُ الأسْماءُ الحُسْنى والصِّفاتُ العُلى حِسًّا بِإصْلاحِ الذّاتِ ومَعْنى بِالتَّعْظِيمِ بِالقُرُباتِ مِن قَمِّها وتَنْظِيفِها ورَمِّ ما تَهَدَّمَ وتَنْوِيرِها بِالمَصابِيحِ الحِسِّيَّةِ وبِالمَعْنَوِيَّةِ مِنَ الذِّكْرِ والقِراءَةِ - ودَرْسُ العِلْمِ أجَلُّ ذَلِكَ - وصِيانَتُها مِمّا لَمْ تُبْنَ لَهُ مِن أحادِيثِ الدُّنْيا ﴿مَن آمَنَ بِاللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْلى الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ ﴿واليَوْمِ الآخِرِ﴾ أيْ: فَكانَ مِن أهْلِ المَعْرِفَةِ الَّذِينَ تَصِحُّ عِبادَتُهم وتُفِيدُهُمْ، فَإنَّها إنَّما تُفِيدُ في ذَلِكَ اليَوْمِ، ولَمْ يَذْكِرِ الإيمانَ بِالرَّسُولِ؛ لِأنَّ هَذِهِ البَراءَةَ عَنْ لِسانِهِ أُخِذَتْ، فالإيمانُ بِها إيمانٌ بِهِ لا مَحالَةَ، فَعَدَمُ ذِكْرِهِ أقْعَدُ في إيجابِ الإيمانِ بِهِ ﴿وأقامَ الصَّلاةَ وآتى الزَّكاةَ﴾ أيْ: وأيَّدَ دَعْواهُ الإيمانَ بِهَذَيْنِ الشّاهِدَيْنِ؛ وذَلِكَ أنَّ عِمارَةَ المَساجِدِ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذاتِها، بَلِ الدَّلالَةُ عَلى رُسُوخِ الإيمانِ، والصَّلاةُ أعْظَمُ عِمارَتُها، والزَّكاةُ هي المُعِينُ لِعُمْدَتِها عَلى عِمارَتِها. ولَمّا كانَ رُبَّما فُهِمَ مِن قَوْلِهِ: ﴿آمَنَ﴾ أنَّهُ يَكْفِي في الإيمانِ مُجَرَّدُ الإقْرارِ بِاللِّسانِ، أعْلَمَ أنَّهُ لابُدَّ في ذَلِكَ مِن إيجادِ التَّصْدِيقِ حَقِيقَةِ المُثْمِرِ لِخَشْيَةِ اللَّهِ فَلِذَلِكَ قالَ: ﴿ولَمْ يَخْشَ﴾ أيْ: في الأعْمالِ الدِّينِيَّةِ ﴿إلا اللَّهَ﴾ (p-٤٠٣)أيْ: ولَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضى خَشْيَةِ غَيْرِ المَلِكِ الأعْظَمِ مِن كَفٍّ عَمّا يُرْضِي اللَّهَ بِما فِيهِ سُخْطُهُ، بَلْ تَقَدَّمَ عَلى ما انْحَصَرَ رِضى اللَّهِ فِيهِ ولَوْ أنَّ فِيهِ تَلَفَهُ، وحاصِلُهُ أنَّهُ يُقَدِّمُ خَشْيَتَهُ مِنَ اللَّهِ عَلى خَشْيَتِهِ مِن غَيْرِهِ، فَهو يَرْجِعُ إلى قَوْلِهِ: ﴿فاللَّهُ أحَقُّ أنْ تَخْشَوْهُ﴾ [التوبة: ١٣] ولَكِنَّ هَذا أبْلَغُ لِكَوْنِهِ نَفى نَفْسَ الخَشْيَةِ وإنْ كانَ المُرادُ نَفْيَ لازِمِها عادَةً، وفِيهِ تَعَرُّضٌ لَهم بِأنَّهم لا يَصْلُحُونَ لِخِدْمَتِهِ؛ لِأنَّهم يَخافُونَ الأصْنامَ ويَفْعَلُونَ مَعَها بِعِبادَتِها فِعْلَ مَن يَخافُها؛ ولَمّا سَبَّبَ عَمّا مَضى نَفْيًا وإثْباتًا أنَّ المُتَّصِفَ بِهَذِهِ الأوْصافِ يَكُونُ جَدِيرًا بِالهِدايَةِ وحَقِيقًا بِها، قالَ تَعالى: ﴿فَعَسى أُولَئِكَ﴾ أيِ: العالُو الهِمَمِ ﴿أنْ يَكُونُوا﴾ أيْ: جِبِلَّةً ورُسُوخًا ﴿مِنَ المُهْتَدِينَ﴾ فَأقامَهم - مَعَ ما قُدِّمَ لَهم مِنَ الكَمالِ بِالمَعارِفِ والأفْعالِ - بَيْنَ الرَّجاءِ والخَوْفِ مَعَ الإشارَةِ بِإفْرادِ الخَشْيَةِ إلى تَرْجِيحِ الخَوْفِ عَلى الرَّجاءِ إيذانًا بِعُلُوِّ أمْرِهِ وعَظِيمِ كِبْرِهِ إشارَةً إلى أنَّهُ لا حَقَّ لِأحَدٍ عَلَيْهِ وأنَّهُ إنْ شاءَ أثابَ، وإنْ أرادَ حَكَمَ - وهو الحَكَمُ العَدْلُ - بِالعِقابِ، لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ، وكَرَّرَ الِاسْمَ الأعْظَمَ لِمَزِيدِ التَّرْغِيبِ لِخَطَرِ المَقامِ وعِزَّةِ المَرامِ، ومادَّةُ عَسى بِجَمِيعِ تَصارِيفِها تَدُورُ عَلى الحَرَكَةِ، وهَذِهِ بِخُصُوصِها لِلْإطْماعِ، والحاصِلُ أنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِالأوْصافِ الأرْبَعَةِ كانَ صالِحًا وخَلِيقًا وجَدِيرًا وحَقِيقًا بَأنْ يَتَحَرَّكَ طَمَعُهُ ويَمْتَدَّ أمَلُهُ إلى أنْ يَكُونَ مِن جُمْلَةِ أهْلِ الهُدى، فَكَيْفَ تُوجِبُونَ أنْتُمْ لِمَن لَمْ يَتَّصِفْ بِواحِدٍ مِنها ما يَخْتَصُّ بِهِ المُهْتَدُونَ مِنَ المُوالاةِ، (p-٤٠٤)هَكَذا كانَ ظَهَرَ لِي أوَّلًا في مَدارِ المادَّةِ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أنَّ ذَلِكَ في أكْثَرِ تَقالِيبِها، مَعَ إمْكانِ أنْ يَكُونَ غَيْرُهُ لِلْإزالَةِ، وأنَّ الشّامِلَ لَها - يائِيَّةً وواوِيَّةً بِتَقالِيبِها العَشْرِ: عَسى، عَيَسَ، سَعى يَسَعَ، عَسَوَ، عَوَسَ، سَعَوَ، سَوَعَ، وسِعَ، وعَسَ - أنَّها لِما يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ، وهو جَدِيرٌ وخَلِيقٌ بِأنْ يَكُونَ، مِن قَوْلِهِمْ: أعِسَّ بِهِ - أيْ: أخْلِقْ. وبِالعَسى أنْ يَفْعَلَ - أيْ: بِالحَرِيِّ، وإنَّهُ لَمَعْساةٌ بِكَذا - أيْ: مَخْلَقَةٌ، وبِهَذا فَسَّرَها سِيبَوَيْهِ: قالَ ابْنُ هِشامٍ الخَضْراوِيُّ في شَرْحِ الإيضاحِ لِأبِي عَلِيٍّ: وقالَ سِيبَوَيْهِ: إنَّ عَسى بِمَنزِلَةِ اخْلَوْلَقَ، والمِعْساءُ كَمِكْسالٍ: الجارِيَةُ المُراهِقَةُ لِأنَّها جَدِيرَةٌ بِقَبُولِ النِّكاحِ، ومِن ثَمَّ أتَتْ لِلطَّمَعِ والإشْفاقِ، وقَدْ يَزِيدُ الرَّجاءُ فَيُطْلَقُ عَلى القُرْبِ فَيَكُونُ مِثْلَ كادَ، وقَدْ يَشْتَدُّ فَيَصِلُ إلى اليَقِينِ فَنَسْتَعْمِلُهُ حِينَئِذٍ في مَعْنى كانَ، ومِنهُ: عَسى الغُوَيْرُ أبْؤُسًا. لَكِنْ قالَ الرَّضِيُّ: وأنا لا أعْرِفُ عَسى في غَيْرِ كَلامِهِ تَعالى لِلْيَقِينِ. وقَدْ يَضْعُفُ الرَّجاءُ فَيَصِيرُ شَكًّا، ومِنهُ المُعْسِيَةُ كَمُحْسِنَةٍ لِلنّاقَةِ، قَدْ يُشَكُّ أبِها لَبَنٌ أمْ لا، وعَسِيَ النَّباتُ - كَفَرِحَ ودَعا: (p-٤٠٥)غَلُظَ ويَبِسَ، أيْ: صارَ خَلِيقًا لِأنْ يُرْعى وأنْ يُقْطَعَ، واليَدُ مِنَ العَمَلِ مِثْلُهُ، أيْ: فَصارَتْ جَدِيرَةً بِالصَّبْرِ عَلى المَشاقِّ، والعاسِي: النَّخْلُ؛ لِأنَّهُ جَدِيرٌ بِكَمالِ ما يُطْلَبُ مِنهُ مِنَ المَنافِعِ، وعَسِيَ الشَّيْخُ كَرَضِيَ عَساءً وعَسًا كَدَعا يَعْسُو: كَبُرَ، أيْ: صارَ خَلِيقًا بِالمَوْتِ وبِأنْ لا يَتَعَلَّمَ ما لَمْ يَكُنْ في غَرِيزَتِهِ، وكَذا عَسى وعَسا الإنْسانُ عَنِ الأدَبِ، أيْ: كَبُرَ عَنْهُ، والعُودُ يَبِسَ وصَلُبَ واشْتَدَّ أيْ: فَصارَ خَلِيقًا لِما يُرادُ مِنهُ، واللَّيْلُ: اشْتَدَّتْ ظُلْمَتُهُ، فَصارَ جَدِيرًا بِمُطابَقَةِ اسْمِهِ لِمُسَمّاهُ وبِتَغْطِيَةِ الأُمُورِ، والعُسُوُّ: الشَّمْعُ، كَأنَّهُ لِإزالَتِهِ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ بِنُورِهِ إذا أحْرَقَ، وعَسِيَ بِالشَّيْءِ كَفَرِحَ: لَزِمَهُ، أيْ: فَصارَ جَدِيرًا بِإضافَتِهِ إلَيْهِ؛ والعَيْسُ - بِالفَتْحِ: ضِرابُ الفَحْلِ. ويُقالُ: ماؤُهُ؛ لِأنَّهُ جَدِيرٌ بِالإنْتاجِ، والعِيسُ - بِالكَسْرِ؛ الإبِلُ البَيْضُ يُخالِطُ بَياضَها شُقْرَةٌ، وجَمَلٌ وظَبْيٌ أعْيَسُ وناقَةٌ عَيْساءُ؛ لِأنَّها خَلِيقَةٌ بِكُلِّ مَحْمَدَةٍ لِحُسْنِ لَوْنِها، وتَعَيَّسَتِ الإبِلُ صارَتْ بَياضًا في سَوادٍ كَذَلِكَ أيْضًا وعَيْساءُ: امْرَأةٌ والأُنْثى مِنَ الجَرادِ، لِشَبَهِها بِلَوْنِ العِيسِ، وأعْيَسَ الزَّرْعُ إذا لَمْ يَكُنْ فِيهِ رَطْبٌ؛ لِأنَّهُ صارَ حَقِيقًا بِالحَصادِ، والعَوْسُ - بِالفَتْحِ - والعَوَسانُ: الطُّوفانُ بِاللَّيْلِ؛ لِأنَّهُ جَدِيرٌ بِبُلُوغِ المَقاصِدِ، (p-٤٠٦)وبِالضَّمِّ: ضَرْبٌ مِنَ الغَنَمِ وهو كَبْشٌ عَوْسِيٌّ، إلْحاقًا لَها بِالعِيسِ لَكِنَّها لِصِغَرِها اخْتِيرَ لَها الضَّمُّ جَبْرًا لَها وتَقْوِيَةً وتَفاؤُلًا بِالكِبَرِ، واخْتِيرَ لِلْإبِلِ الكَسْرُ تَفاؤُلًا بِسُهُولَةِ القِيادِ، وبِالتَّحْرِيكِ: دُخُولُ الشِّدْقَيْنِ عِنْدَ الضَّحِكِ وغَيْرِهِ: تَشْبِيهًا بِالغَنَمِ، فَكَأنَّهُ جَدِيرٌ بِأنْ يَتْرُكَ ما يَحْدُثُ مِنهُ ذَلِكَ مِنَ الضَّحِكِ وغَيْرِهِ، والنَّعْتُ أعْوَسُ وعَوْساءُ، وعاسَ عَلى عِيالِهِ: كَدَّ عَلَيْهِمْ وكَدَحَ، وعِيالَهُ: قاتَهُمْ، ومالَهُ عَوْسًا وعِياسَةً: أحْسَنَ القِيامَ عَلَيْهِ فَعَمِلَ بِما هو الألْيَقُ بِهِ في كُلِّ ذَلِكَ. والعُواسَةُ - بِالضَّمِّ: الشَّرْبَةُ مِنَ اللَّبَنِ وغَيْرِهِ، لِأنَّها جَدِيرَةٌ بِالرَّيِّ، والأعْوَسُ: الصَّقِيلُ والوَصّافُ لِلشَّيْءِ؛ لِأنَّهُ جَدِيرٌ بِإظْهارِ الخَبْءِ، والعَوْساءُ كَبُراكاءَ: الحامِلُ مِنَ الخَنافِسِ؛ لِأنَّها في تِلْكَ الحالَةِ أجْدَرُ بِما تَفْهَمُهُ مادَّتُها مِنَ الكَراهَةِ فَإنَّهُ يُقالُ: خَنْفَسَ عَنِ القَوْمِ: كَرِهَهم وعَدَلَ عَنْهُمْ، والخُنافِسُ - بِالضَّمِّ: الأسَدُ؛ لِأنَّهُ جَدِيرٌ بِأنْ يُكْرَهَ ويُعْدَلَ عَنْهُ؛ والسَّعْيُ: عَدْوٌ دُونَ الشَّدِّ وكُلُّ عَمَلٍ سَعْيٌ؛ قالَ في القامُوسِ: سَعى كَرَعى: قَصَدَ وعَلِمَ ومَشى وعْدًا ونَمَّ وكَسَبَ، وكُلُّ ذَلِكَ يَكُونُ جَدِيرًا بِدَرْكِ حاجَتِهِ، والسِّعايَةُ: مُباشَرَةُ عَمَلِ الصَّدَقاتِ الَّتِي بِها يُدْرِكُ الإمامُ أخْذَ الحُقُوقِ، فَيَكُونُ خَلِيقًا بِإغْناءِ الفُقَراءِ، وسَعَتِ الأُمَّةُ: بَغَتْ، فَكانَتْ خَلِيقَةً بِعَمَلِ الإماءِ عِنْدَ العَرَبِ، وساعاها: طَلَبَها لِلْبِغاءِ، وأسْعاهُ: جَعْلُهُ يَسْعى، والمَسْعاةُ: المُكَرَّمَةُ (p-٤٠٧)والمَعْلاةُ في أنْواعِ المَجْدِ، لِأنَّها جَدِيرَةٌ بِأنْ يُسْعى لَها، واسْتَسْعى العَبْدَ: كَلَّفَهُ مِنَ العَمَلِ ما يُؤَدِّي بِهِ عَنْ نَفْسِهِ إذا عَتَقَ بَعْضُهُ لِيَعْتِقَ بِهِ ما بَقِيَ؛ لِأنَّهُ جَدِيرٌ بِذَلِكَ، والسِّعايَةُ - بِالكَسْرِ: ما كُلِّفَ مِن ذَلِكَ؛ والسَّيْعُ: الماءُ الجارِي عَلى وجْهِ الأرْضِ، وقَدِ انْساعَ - إذا جَرى؛ لِأنَّ الماءَ خَلِيقٌ بِالجَرْيِ والحَرَكَةِ، وساعَ الماءُ والشَّرابُ: اضْطَرَبَ عَلى وجْهِ الأرْضِ، وسَيْعاءُ مِنَ اللَّيْلِ وكَسِيَراءَ: قِطَعٌ مِنهُ، كَأنَّهُ يَنْظُرُ إلى السّاعَةِ وهي جُزْءٌ، هو لِنَفاسَتِهِ خَلِيقٌ بِأنْ يُحْفَظَ ولا يُضَيَّعَ وأنْ يُتَدارَكَ إنْ ضُيِّعَ، والسَّياعُ - بِالفَتْحِ: ما يُطَيَّنُ بِهِ، والشَّحْمُ تُطْلى بِهِ المَزادَةُ، كَأنَّهُ يَمْنَعُ ما هو خَلِيقٌ بِالجَرْيِ، وقَدْ سَيَّعْتُ الجُبَّ - إذا طَيَّنْتَهُ بِطِينٍ أوْ جِصٍّ؛ وكَذَلِكَ الزِّقُّ والسُّفُنُ إذا طُلِيَتْ بِالقارِ، والمَسِيَعَةُ: خَشَبَةٌ مِمْلَسَةٌ يُطَيَّنُ بِها تَكُونُ مَعَ حُذّاقِ الطَّيّانِينَ، والتَّسْيِيعُ: التَّطْيِينُ بِها تَكُونُ مَعَ حُذّاقِ التَّدْهِينِ، وقالَ القَزّازُ: والسِّياعُ: تَطْيِينُكَ بِالجِصِّ أوِ الطِّينِ أوِ القِيرِ، تُسَيَّعُ بِهِ السُّفُنُ، والسِّياعُ: شَجَرُ العِضاهِ لَهُ ثَمَرٌ كَهَيْئَةِ الفُسْتُقِ وشَجَرُ اللُّبانِ، وكُلٌّ مِنها خَلِيقٌ بِالرَّغْبَةِ فِيهِ، والمِسْياعُ: النّاقَةُ تَذْهَبُ في المَرْعى، كَأنَّها شُبِّهَتْ بِالماءِ الجارِي، وهي أيْضًا خَلِيقَةٌ بِالسِّمَنِ، والَّتِي تَحْمِلُ الضَّيْعَةَ، وسُوءَ القِيامِ عَلَيْها، والَّتِي يُسافَرُ عَلَيْها ويُعادُ، لِأنَّها خَلِيقَةٌ بِأنْ يُرْغَبَ فِيها فِيها وأساعَهُ: أهْمَلَهُ، أيْ: أزالَ ما هو خَلِيقٌ بِهِ مِنَ الحِفْظِ فَصارَ خَلِيقًا (p-٤٠٨)بِالهَلاكِ، والسِّعْوَةُ - بِالكَسْرِ: السّاعَةُ كالسِّعْواءِ بِالكَسْرِ والضَّمِّ - وقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُها - والمَرْأةُ البَذِيَّةُ الخالِعَةُ، كَأنَّها جَدِيرَةٌ بِسُرْعَةِ الفِراقِ كالسّاعَةِ، والسّاعِي: الوالِي عَلى أيِّ أمْرٍ وقَوْمٍ كانَ، ولِلْيَهُودِ والنَّصارى: رَئِيسُهُمْ؛ لِأنَّهُ خَلِيقٌ بِأنْ يَسْعى عَلَيْهِمْ ويَذُبَّ عَنْهُمْ، والسُّعاةُ: التَّصَرُّفُ؛ لِأنَّ الإنْسانَ جَدِيرٌ بِهِ، وسَعْيَةٌ عَلَمٌ لِلْعَنْزِ؛ لِأنَّها خَلِيقَةٌ بِالسَّعْيِ، والسُّعاوِيُّ - بِالضَّمِّ: الصَّبُورُ عَلى السَّهَرِ والسَّفَرِ، نِسْبَةً إلى السَّعْيِ عَلى وجْهٍ بَلِيغٍ وهو خَلِيقٌ بِأنْ يُرْغَبَ فَبِهِ، وأسْعَوْا بِهِ، أيْ: طَلَبُوهُ بِقَطْعِ هَمْزَتِها، والسّاعَةُ: جُزْءٌ مِن أجْزاءِ الجَدِيدَيْنِ والوَقْتُ الحاضِرُ والقِيامَةُ؛ لِأنَّ كُلَّ ذَلِكَ جَدِيرٌ وحَقِيقٌ بِالِاحْتِفاظِ مِن إضاعَتِهِ، والهالِكُونَ كالجاعَةِ لِلْجِياعِ، كَأنَّهم أضاعُوا ساعَتَهم فَكانُوا جَدِيرِينَ بِما حَصَلَ لَهُمْ، وساعَةٌ سَوْعاءُ: شَدِيدَةٌ، وساعَتِ الإبِلُ تَسُوعُ: بَقِيَتْ بِلا راعٍ، فَصارَتْ جَدِيرَةً بِالهَلاكِ والضَّياعِ، وأساعَهُ: أهْمَلَهُ وضَيَّعَهُ، فَصارَ كَذَلِكَ، ومِنهُ ناقَةٌ مِسْياعٌ: تَدَعُ ولَدَها حَتّى يَأْكُلَهُ السِّباعُ، وبَعْدَ سَوْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وسُواعٍ، أيْ: هُدُوئِهِ، وأسْوَعَ: انْتَقَلَ مِن ساعَةٍ إلى ساعَةٍ فَصارَ جَدِيرًا بِأنْ يَتَحَفَّظَ فَيَتَدارَكَ في الثّانِيَةِ ما فاتَهُ في الأُولى، وأسْوَعَ الحِمارُ: أرْسَلَ غُرْمُولَهُ، فَصارَ جَدِيرًا بِالنَّزَوانِ، وسُواعٌ: اسْمُ صَنَمٍ عُبِدَ في عَهْدِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، غَرَّقَهُ الطُّوفانُ فاسْتَثارَهُ (p-٤٠٩)إبْلِيسُ حَتّى عُبِدَ أيْضًا؛ لِأنَّهُ كانَ خَلِيقًا - عِنْدَهم وفي زَعْمِهِمْ - بِما أهَّلُوهُ لَهُ - تَعالى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ! والوُسْعُ مُثَلَّثَةً: الجِدَّةُ والطّاقَةُ كالسِّعَةِ، ومَعْناها الخَلّاقَةُ بِالِاحْتِمالِ، وسِعَهُ الشَّيْءُ - بِالكَسْرِ - يَسَعُهُ كَيَضَعُهُ سَعَةً كَدَعَةٍ وزِنَةٍ: كانَ جَدِيرًا بِاحْتِمالِهِ، واللَّهُمَّ سُعْ عَلَيْنا، أيْ: وسِّعْ، ولْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، أمْرًا بِالقَرارِ فِيهِ، وهَذا الإناءُ يَسَعُ عِشْرِينَ كَيْلًا، أيْ: يَتَّسِعُ لَها، والواسِعُ: ضِدُّ الضِّيقِ - كالوَسِيعِ، وفي الأسْماءِ الحُسْنى: الكَثِيرُ العَطاءِ الَّذِي يَسَعُ لِما يُسْألُ، أوِ المُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ أوِ الَّذِي وسِعَ رِزْقُهُ جَمِيعَ خَلْقِهِ ورَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، والوَساعُ كَسَحابٍ: النَّدْبُ، وهو الخَفِيفُ في الحاجَةِ الظَّرِيفُ النَّجِيبُ؛ لِأنَّهُ جَدِيرٌ بِما يُنْدَبُ لَهُ، ومِنَ الخَيْلِ: الجَوادُ أوِ الواسِعُ الخَطْوِ والدِّرْعُ - كالوَسِيعِ، وقَدْ وسِعَ كَكَرِمَ وِساعَةً وسِعَةً وأوْسَعَ: صارَ ذا سِعَةٍ، واللَّهُ عَلَيْهِ: أغْناهُ، وتَوَسَّعُوا في المَجْلِسِ: تَفَسَّحُوا، فَصارُوا جَدِيرِينَ بِاحْتِمالِ الدّاخِلِ بَيْنَهُمْ، ووَسَّعَهُ تَوْسِيعًا ضِدَّ ضَيَّقَهُ، ورَحْمَةُ اللَّهِ وسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، أيْ: أحاطَتْ بِهِ، ووَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا، أيْ: أحاطَ بِهِ وأحْصاهُ؛ والوَعْسُ كالوَعْدِ: شَجَرٌ تُعْمَلُ مِنهُ البَرابِطُ والعِيدانُ؛ لِأنَّهُ أحَقُّ الأشْجارِ بِذَلِكَ، والرَّمْلُ السَّهْلُ يَصْعُبُ فِيهِ المَشْيُ؛ لِأنَّهُ يُرى لِسُهُولَتِهِ خَلِيقًا بِأنْ يُمْشى فِيهِ، وإذا حَقَّقَ النَّظَرَ كانَ خَلِيقًا بِصُعُوبَةِ المَشْيِ لِكَوْنِهِ رَمْلًا، (p-٤١٠)وأوْعَسَ رَكْبُهُ، والوَعْساءُ: رابِيَةٌ مِن رَمْلٍ لَيِّنَةٍ تُنْبِتُ أحْرارَ البُقُولِ؛ لِأنَّها لِلِينِها حَقِيقَةٌ مِن بَيْنِ رَوابِي الرَّمْلِ بِالنَّبْتِ، ومَكانٌ أوْعَسُ وأمْكِنَةٌ وُعْسٌ، والمِيعاسُ: ما تَنَكَّبَ عَنِ الغِلَظِ، فَهو جَدِيرٌ بِالمَشْيِ فِيهِ، والأرْضُ؛ لَمْ تُوطَأْ، فَهي جَدِيرَةٌ بِالكَفِّ عَنْ سُلُوكِها، والطَّرِيقُ؛ لِأنَّهُ جَدِيرٌ بِأنْ يُسْلَكَ، قالَ في القامُوسِ: كَأنَّهُ ضِدٌّ، والمُواعَسَةُ: ضَرْبٌ مِن سَيْرِ الإبِلِ، كَأنَّهُ وسَطٌ فَهو جَدِيرٌ بِالخَيْرِ والمُباراةِ في السَّيْرِ، أوْ لا تَكُونُ إلّا لَيْلًا؛ وقالَ القَزّازُ: تَوَعَّسَتْ في وجْهِهِ حُمْرَةٌ أوْ صُفْرَةٌ، أيْ: كانَتْ خَلِيقَةً بِالظُّهُورِ، قالَ: وإذا ذَكَرُوا الرَّمَلَةَ قالُوا: وعْساءُ، وإذا ذَكَرُوا الرَّمْلَ قالُوا: أوْعَسُ - هَذا ما في تَنْزِيلِ الجُزَيْئاتِ مِنَ اللُّغَةِ عَلى مَدارِ هَذِهِ المادَّةِ، وأمّا كَلامُ أهْلِ العَرَبِيَّةِ في قَواعِدِ ”عَسى“ الكُلِّيَّةِ فَقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ القَزّازُ: هو فِعْلٌ لا يَنْصَرِفُ فَلا تَقُولُ: يَعْسى، ولا هو عاسٍ، وقالَ عَبْدُ الحَقِّ الإشْبِيلِيُّ: ولا يَأْتِي مِنهُ مُسْتَقْبَلٌ ولا فاعِلٌ ولا مَفْعُولٌ ولا مَصْدَرٌ قالَ القَزّازُ: ويَصْحَبُهُ: ”أنْ“ ويَجُوزُ حَذْفُها، و”أنْ“ وما بَعْدَها بِمَعْنى المَصْدَرِ؛ وهي في مَوْضِعِ نَصْبٍ، ولا يَقَعُ بَعْدَها المَصْدَرُ ولا اسْمُ الفاعِلِ، وإنَّما جاءَ هَذا في مَثَلِ العَرَبِ: عَسى الغُوَيْرُ أبْؤُسًا، وأبْؤُسٌ جَمْعُ بَأْسٍ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ خَبَرَ عَسى في مَوْضِعِ نَصْبٍ، وقالَ في القامُوسِ: والأبْؤُسُ: الدّاهِيَةُ، ومِنهُ: عَسى الغُوَيْرُ أبْؤُسًا، أيْ: داهِيَةً، قالَ أبُو عُبَيْدٍ في الغَرِيبِ: كَأنَّهُ أرادَ: عَسى الغُوَيْرُ أنْ يُحْدِثَ أبْؤُسًا وأنْ يَأْتِيَ (p-٤١١)بِأبْؤُسٍ، فَهَذا طَرِيقُ النَّصْبِ، ومِمّا يُبَيِّنُهُ قَوْلُ الكُمَيْتِ: ؎قالُوا أساءَ بَنُو كُرْزٍ فَقُلْتُ لَهم عَسى الغُوَيْرُ بِإبْآسٍ وإغْوارِ وقالَ شارِحُ الجَزُولِيَّةِ أبُو مُحَمَّدِ بْنُ المُوَفَّقِ: لَمّا كانَتْ لِلرَّجاءِ دَخَلَها مَعْنى الإنْشاءِ فَلَمْ تَتَصَرَّفْ؛ لِأنَّ تَصَرُّفَها يُنافِي الإنْشاءَ لِأنَّها إذا تَصَرَّفَتْ دَلَّتْ عَلى الخَبَرِ فِيما مَضى والحالِ والِاسْتِقْبالِ، وذَلِكَ يُنافِي مَعْنى الإنْشاءِ الَّذِي لا يَصْلُحُ لِماضٍ ولا مُسْتَقْبَلٍ، وقالَ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ: عَسى مَوْضُوعَةٌ لِفِعْلٍ يُتَوَهَّمُ كَوْنُهُ في الِاسْتِقْبالِ وهو عَلى لَفْظِ الماضِي فاحْتِيجَ إلى ”أنْ“ بَعْدَهُ؛ إذْ لا مُسْتَقْبَلَ لَهُ، وذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّ عَسى حَرْفٌ لِعَدَمِ تَصَرُّفِها ولا مَعْناها في غَيْرِها، والصَّحِيحُ أنَّها فِعْلٌ لَفْظًا ومَعْنًى، أمّا لَفْظًا فَظاهِرٌ، أيْ: لِلَحاقِ الضَّمائِرِ وتاءِ التَّأْنِيثِ السّاكِنَةِ، وأمّا مَعْنًى فَلِأنَّهُ إخْبارٌ عَنْ طَمَعٍ وقَعَ لِلْمُتَكَلِّمِ، وجُعِلَ لَفْظُها بِلَفْظِ الماضِي لِأنَّ الطَّمَعَ قَدْ وقَعَ، وإنَّما المَطْمُوعُ هو الَّذِي يُتَوَقَّعُ ويُنْتَظَرُ، وأُدْخِلَ ”أنْ“ عَلى المَطْمُوعِ فِيهِ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَعْدُ، وجُرِّدَتْ أخَواتُها عَنْ ”أنْ“ لِأنَّ خَبَرَها مُحَقَّقٌ في الحالِ؛ إذْ قَدْ شُرِعَ فِيهِ إلّا ”كادَ“ فَإنَّها لِلْمُقارَبَةِ في الجُمْلَةِ؛ وقالَ ابْنُ هِشامٍ المِصْرِيُّ في تَوْضِيحِهِ: ويَجِبُ كَوْنُ (p-٤١٢)خَبَرِها جُمْلَةً، وشَذَّ كَوْنُهُ مُفْرَدًا نَحْوَ: عَسى الغُوَيْرُ أبْؤُسًا، ويَكُونُ الِاسْمُ مَرْفُوعًا بِعَسى وأنْ، والفِعْلُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الخَبَرِ، وقالَ الرِّضِيُّ: إنَّما لَمْ يَتَصَرَّفْ في عَسى لِتَضَمُّنِها مَعْنى الحَرْفِ، أيْ: إنْشاءُ الطَّمَعِ والرَّجاءِ، وقَوْلُهُ: أبْؤُسًا وصائِمًا، لِتَضَمُّنِ عَسى مَعْنى كانَ فَأُجْرِيَ مَجْراهُ، ومَذْهَبُ المُتَأخِّرِينَ أنَّ عَسى تَرْفَعُ الِاسْمَ وتَنْصِبُ الخَبَرَ كَكانَ، وقالَ أبُو طالِبٍ العَبْدِيُّ في شَرْحِ الإيضاحِ لِلْفارِسِيِّ: الأفْعالُ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّصَرُّفِ مِن حَيْثُ كانَتْ مُقَسَّمَةً بِأقْسامِ الزَّمانِ، ولَوْلا ذَلِكَ لَأغْنَتِ المَصادِرُ عَنْها، ولِهَذا قالَ سِيبَوَبْهِ: فَأمّا الأفْعالُ فَأمْثِلَةٌ أُخِذَتْ مِن لَفْظِ أحْداثِ الأسْماءِ فَبُنِيَتْ لِما مَضى ولِما يَكُونُ ولِما هو كائِنٌ لَمْ يَنْقَطِعْ، ولَمّا خالَفَتْ هَذِهِ الأفْعالُ - يَعْنِي عَسى ونِعْمَ وبِئْسَ وفِعْلُ التَّعَجُّبِ - سائِرَ الأفْعالِ في الدَّلالَةِ تُرِكَ تَصَرُّفُها أبَدًا بِما أُرِيدَتْ لَهُ مِنَ المُبالَغَةِ فِيما جُعِلَتْ دالَّةً عَلَيْهِ، فَمَعْنى عَسى الطَّمَعُ والإشْفاقُ - كَذا قالَ سِيبَوَيْهِ، ولَمّا اخْتُصَّتْ بِهَذا المَعْنى تُرِكَ تَصَرُّفُها، قالَ الرُّمّانِيُّ: مُنِعَتْ ذَلِكَ حَمْلًا عَلى ”لَعَلَّ“ كَما حُمِلَتْ ”ما“ عَلى ”لَيْسَ“ والأوَّلُ أوْلى؛ لِأنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ بابُ الأفْعالِ عَلى الحُرُوفِ، ولِأنَّ الأفْعالَ في بابِها بِمَنزِلَةِ الحُرُوفِ في بابِها في لُزُومِ البِناءِ، وإنَّما الأسْماءُ تُحْمَلُ عَلَيْها كَما تَقُولُ في قَطامِ وحَزامِ: إنَّهُ بُنِيَ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَ الفِعْلِ، وأنَّ أسْماءَ الِاسْتِفْهامِ بُنِيَتْ لِوُقُوعِها مَوْقِعَ الحَرْفِ ولا تَقُولُ (p-٤١٣)فِي الأفْعالِ: إنَّها بُنِيَتْ حَمْلًا عَلى الحُرُوفِ ولا الحُرُوفِ بُنِيَتْ حَمْلًا عَلى الأفْعالِ، بَلْ كُلٌّ مِنهُما أصْلٌ فَكَذَلِكَ التَّصَرُّفُ، لَيْسَ امْتِناعُهُ لِحَمْلِهِ عَلى الحَرْفِ وجَرْيِهِ مَجْراهُ، وعَسى مِن أخَواتِ ”كانَ“ وإنَّما لَمْ تُذْكَرْ مَعَها لِلْمُخالَفَةِ بِتَرْكِ التَّصَرُّفِ وبِلُزُومِ ”أنِ“ الخَبَرَ وبِكَوْنِهِ فِعْلًا، ويَدُلُّ عَلى أنَّها مِن أخَواتِ ”كانَ“ عَسى الغُوَيْرُ أبْؤُسًا، فَقَدِ انْكَشَفَ الأصْلُ كَما انْكَشَفَ أصْلُ أقامَ وأطالَ ونَحْوِهِ بِقَوْلِهِ: ؎صَدَدْتِ وأطْوَلْتِ الصُّدُودَ وقَلَّما ∗∗∗ وصْلٌ عَلى طُولِ الصُّدُودِ يَدُومُ ولُزُومُ الفِعْلِ بِخَبَرِها لِجَعْلِهِ عِوَضًا مِنَ التَّصَرُّفِ الَّذِي كانَ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ لَها، وأمّا لُزُومُ ”أنْ“ فَلِما أُرِيدَ مِن صَرْفِ الكَلامِ إلى تَأْوِيلِ الِاسْتِقْبالِ لِأنَّ ”أنْ“ تَخْلُصَ إلَيْهِ، والبَيْتُ المُمَثَّلُ بِهِ فِيهِ شَيْءٌ طَرِيفٌ، وهو مَصْدَرٌ مَجْمُوعٌ واقِعٌ مَوْقِعَ مَصْدَرٍ واقِعٍ مَوْقِعَ فِعْلٍ، والمَصادِرُ في أصْلِها لا تُجْمَعُ ولَكِنَّهُ ضَرُورَةٌ ومَثَلٌ، فالأصْلُ أنَّ ”بَأْسٌ“ ثَمَّ أبْؤُسًا - انْتَهى كَلامُ العَبْدِيِّ، وعِنْدِي أنَّهُ عِنْدَ ما يَقْوى المَعْنى الَّذِي سِيقَتْ لَهُ مِن طَمَعٍ أوْ إشْفاقٍ يُجْعَلُ خَبَرُها اسْمًا تَنْبِيهًا عَلى أنَّها الآنَ بِمَنزِلَةِ كانَ لِما اشْتَدَّ مِن شَبَهِها لَها بِذَلِكَ؛ قالَ أبُو طالِبٍ: وإذا ولِيَها ”أنْ“ والفِعْلُ كانَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ، وسَدَّ طُولُ الكَلامِ مَسَدَّ الخَبَرِ، ومَعْناها الَّذِي هو الإشْفاقُ والطَّمَعُ قَرِيبٌ مِنَ المُقارَبَةِ في كادَ، فَلِذَلِكَ حُذِفَ ”أنْ“ مِن خَبَرِها حَمْلًا لَها عَلى كادَ كَما جَوَّزُوا دُخُولَ ”أنْ“ في خَبَرِ كادَ (p-٤١٤)حَمْلًا لَها عَلى عَسى؛ وقالَ شارِحُ الجَزُولِيَّةِ: وحَذْفُ ”أنْ“ مِن خَبَرِ عَسى أكْثَرُ مِن إلْحاقِ ”أنْ“ في خَبَرِ ”كادَ“ لِمُقارَبَةِ كادَ ذاتَ الفِعْلِ، و”أنْ“ تُنافِي ذَلِكَ، قالَ: ومِنَ الفَرْقِ بَيْنَهُما أنَّ عَسى لا يُضْمَرُ فِيها ضَمِيرُ الشَّأْنِ والقِصَّةُ لِشَبَهِها بِالحَرْفِ لِعَدَمِ تَصَرُّفِها، وتُضْمَرُ في كادَ لِتَصَرُّفِها، ثُمَّ رَجَّحَ أنَّهُ يُضْمَرُ فِيها وإنْ لَمْ تَتَصَرَّفْ كَما أُضْمِرَ في نِعْمَ وبِئْسَ، وقالَ ابْنُ هِشامٍ الخَضْراوِيُّ في شَرْحِ الإيضاحِ أيْضًا: إنَّ سِيبَوَيْهِ قَدَّرَ عَسى بِقارَبَ، أيْ: فَتَرْفَعُ وتَنْصِبُ؛ لِأنَّ قارَبَ مُتَعَدٍّ، وقَدَّرَها بِقَرُبَ، أيْ: فَلا تَنْصِبُ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ، قالَ: ولا تَدْخُلُ عَسى عَلى الماضِي؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: لِأنَّها لِلِاسْتِقْبالِ المَحْضِ ولِذَلِكَ وقَعَ بَعْدَها ”أنْ“ فَلا تَصْلُحُ لِلْماضِي بِوَجْهٍ؛ وقالَ شارِحُ الجَزُولِيَّةِ: عَسى لَها مَعَ الظّاهِرِ مَذْهَبانِ: أحَدُهُما أنْ تَكُونَ ناقِصَةً بِمَعْنى كانَ النّاقِصَةِ، تَحْتاجُ إلى اسْمٍ وخَبَرٍ إلّا أنَّهُ يُشْتَرَطُ في خَبَرِها أنْ يَكُونَ فِعْلًا، وأصْلُهُ أنْ يَكُونَ اسْمًا مِثْلَ خَبَرِ كانَ إلّا أنَّهُ عُدِلَ عَنْهُ إلى الفِعْلِ تَنْبِيهًا عَلى الدَّلالَةِ عَلى ما هو المَقْصُودُ مِنَ الرَّجاءِ وتَقْوِيَةً لِما يُفِيدُهُ الرَّجاءُ مِنَ الِاسْتِقْبالِ، وشُبِّهَتْ في هَذا الوَجْهِ بِ ”قارَبَ زَيْدٌ الخُرُوجَ“ تَحْقِيقًا لِبَيانِ الإعْرابِ، لا في المَعْنى؛ لِأنَّ ”قارَبَ زَيْدٌ الخُرُوجَ“ لَيْسَ فِيهِ إنْشاءُ رَجاءٍ ولا غَيْرِهِ، وإنَّما هو تَمْثِيلٌ لِتَقْدِيرِ الإعْرابِ اللَّفْظِيِّ؛ لِأنَّ أصْلَها أنْ تَكُونَ كَذَلِكَ، وإنَّما طَرَأ عَلَيْها إنْشاءُ الرَّجاءِ كَما كانَ ذَلِكَ في التَّعَجُّبِ ونِعْمَ وبِئْسَ وغَيْرِهِما؛ والمَذْهَبُ الثّانِي أنْ تَأْتِيَ تامَّةً فَتُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمالَ ”قَرُبَ“ فَتَدْخُلُ عَلى ”أنْ“ مَعَ الفِعْلِ (p-٤١٥)فَتَقُولُ: عَسى أنْ يَقُومَ زَيْدٌ، واسْتُغْنِيَ فِيها - بِأنْ والفِعْلِ - عَنِ الخَبَرَيْنِ كَما اسْتُغْنِيَ في ”ظَنَنْتُ أنْ يَقُومَ زَيْدٌ“ عَنِ المَفْعُولَيْنِ، وذَلِكَ لِاشْتِمالِهِ عَلى مُسْنَدٍ ومُسْنَدٍ إلَيْهِ، وهو المَقْصُودُ بِهَذِهِ الأفْعالِ، فَإذا قُلْتَ: زَيْدٌ عَسى أنْ يَقُومَ، احْتَمَلَ أنْ تَكُونَ النّاقِصَةَ فَيَكُونُ فِيها ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلى زَيْدٍ هو اسْمُها و”أنْ“ مَعَ الفِعْلِ خَبَرُها، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ التّامَّةَ فَلا يَكُونُ فِيها ضَمِيرٌ. وكَوْنُ ”أنْ“ مَعَ الفِعْلِ فاعِلَها؛ وقالَ ابْنُ الخَبّازِ المَوْصِلِيُّ في كِتابِهِ: ”النِّهايَةُ في شَرْحِ كِفايَةِ الكِفايَةِ“: عَسى لِلطَّمَعِ لِلْمُبالَغَةِ في الطَّمَعِ، فَلا يَكُونُ خَبَرُها ماضِيًا؛ لِأنَّ مَعْناها الرَّجاءُ والطَّمَعُ، والماضِي لا يُطْمَعُ فِيهِ ولا يُرْجى لِحُصُولِهِ، واسْتَدَلَّ عَلى أنَّها لا تُسْتَعْمَلُ إلّا في المُسْتَقْبَلِ بِقَوْلِ بَعْضِ شُعَراءِ الحَماسَةِ: ؎عَسى طَيِّئٌ مِن طَيِّئٍ بَعْدَ هَذِهِ ∗∗∗ سَتُطْفِئُ غَلّاتِ الكُلى والجَوانِحِ فَأتى بِالسِّينِ لِأنَّهُ لَمْ يُمْكِنْهُ الإتْيانُ بِ: ”أنْ“ في الشِّعْرِ؛ وقالَ شارِحُ الجَزُولِيَّةِ ما مَعْناهُ: إنَّهُ التَزَمَ في خَبَرِها الفِعْلَ لِلدَّلالَةِ عَلى الِاسْتِقْبالِ وألْزَمَ ”أنْ“ تَقْوِيَةً لِذَلِكَ، ولِهَذا لَمْ يَكُنْ خَبَرُها اسْمًا وإنْ كانَ أصْلُهُ أنْ يَكُونَ اسْمًا؛ إذْ لا دَلالَةَ لِلِاسْمِ عَلى الزَّمانِ، ولَمْ يُوضَعْ مَكانُها السِّينُ وسَوْفَ؛ لِأنَّهُما يَدُلّانِ عَلى تَنْفِيسٍ في الزَّمانِ. والغَرَضُ هُنا تَقْرِيبُهُ، وقَدْ يَجِيءُ في الشِّعْرِ قَلِيلًا - وأنْشَدَ البَيْتَ المَذْكُورَ؛ وقالَ ابْنُ الخَبّازِ: (p-٤١٦)ودُخُولُ الِاسْتِفْهامِ عَلَيْها يُؤْذِنُ بِأنَّها لَيْسَتْ لِلطَّمَعِ لِأنَّ الِاسْتِفْهامَ لا يَدْخُلُ عَلى الطَّمَعِ ولا عَلى ما لَيْسَ بِخَبَرٍ، فَدُخُولُ هَلْ عَلَيْها مِمّا يُؤْذِنُ بِأنَّها خَبَرٌ. انْتَهى. فَتَفْسِيرُها بِما ذَكَرْتُهُ - مِن أنَّها لِما يُمْكِنْ أنْ يَكُونَ وهو خَلِيقٌ بِأنْ يَكُونَ - أوَّلَ، ويَكُونُ الطَّمَعُ لازِمًا لِمَضْمُونِ الكَلامِ لا أنَّهُ مَدْلُولُها بِالمُطابَقَةِ. واللَّهُ المُوَفِّقُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب