الباحث القرآني

ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ - لِما أرْشَدَ إلَيْهِ تَقاعُدُهم عَنِ القِتالِ وإدْخالُ ”أمْ“ المُرْشِدِ إلى أنَّ مَدْخُولَهُ وسَطَ الكَلامِ فَإنَّ الِابْتِداءَ لَهُ الألِفُ وحْدَها: وهَلْ حَسِبْتُمْ أنَّهُ تَعالى لا يَعْلَمُ ذَلِكَ أوْ لا يَقْدِرُ عَلى نَصْرِكُمْ؟ بَنى عَلَيْهِ قَوْلَهُ مُوَبِّخًا لِمَن تَثاقَلَ عَنْ ذَلِكَ بِنَوْعِ تَثاقُلٍ: ﴿أمْ حَسِبْتُمْ﴾ أيْ: لِنَقْصٍ في العَقْلِ أنَّهُ يَبْنِي الأمْرَ فِيهِ عَلى غَيْرِ الحِكْمَةِ، وذَلِكَ هو المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿أنْ تُتْرَكُوا﴾ أيْ: قارِّينِ عَلى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ مِن غَيْرِ أنْ تُبْتَلَوْا بِما يَظْهَرُ بِهِ المُؤْمِنُ مِنَ المُنافِقِ ﴿ولَمّا﴾ عَبَّرَ بِها لِدَلالَتِها - مَعَ اسْتِغْراقِ الزَّمانِ الماضِي - عَلى أنْ يَتَبَيَّنَ ما بَعْدَها مُتَوَقَّعٌ كائِنٌ ﴿يَعْلَمِ اللَّهُ﴾ أيِ: المُحِيطُ بِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ ﴿الَّذِينَ جاهَدُوا مِنكُمْ﴾ أيْ: عِلْمًا ظاهِرًا تَقُومُ بِهِ الحُجَّةُ عَلَيْكم في (p-٣٩٩)مَجارِي عاداتِكم عَلى مُقْتَضى عُقُولِكم بِأنْ يَقَعَ الجِهادُ في الواقِعِ بِالفِعْلِ. ولَمّا كانَ المَعْنى: جاهِدُوا مُخْلِصِينَ، تَرْجَمَهُ وبَسَطَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولَمْ﴾ أيْ: ولَمّا يَعْلَمِ الَّذِينَ لَمْ ﴿يَتَّخِذُوا﴾ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ حالًا، ودَلَّ عَلى تَراخِي الرُّتَبِ عَنْ مَكانَتِهِ سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أيِ: الَّذِي لا يَعْدِلُ عَنْهُ ويَرْغَبُ في غَيْرِهِ مِن لَهُ أدْنى بَصِيرَةٍ - كَما دَلَّ عَلَيْهِ الِافْتِعالُ - لِأنَّهُ المُنْفَرِدُ بِالكَمالِ، وأكَّدَ النَّفْيَ بِتَكْرِيرِ ”لا“ فَقالَ: ﴿ولا رَسُولِهِ﴾ أيِ: الَّذِي هو خُلاصَةُ خَلْقِهِ ﴿ولا المُؤْمِنِينَ﴾ أيِ: الَّذِينَ اصْطَفاهم مِن عِبادِهِ ﴿ولِيجَةً﴾ أيْ: بِطانَةً تُباطِنُونَها وتَسْكُنُونَ إلَيْها فَتَلِجُ أسْرارُكم إلَيْها وأسْرارُها إلَيْكُمْ، فَإنَّ الوَلِيجَةَ كُلُّ شَيْءٍ أدْخَلْتَهُ في شَيْءٍ لَيْسَ مِنهُ، والرَّجُلُ يَكُونُ في قَوْمٍ ولَيْسَ مِنهم ولِيجَةٌ، فَوَلِيجَةُ الرَّجُلِ مَن يَخْتَصُّهُ بِدَخِيلَةِ أمْرِهِ دُونَ النّاسِ، يُقالُ: هو ولِيجَتِي وهم ولِيجَتِي - لِلْواحِدِ والجَمْعِ - نَقَلَ ذَلِكَ البَغَوِيُّ عَنْ أبِي عُبَيْدَةَ، قالَ ابْنُ هِشامٍ: ولِيجَةً: دَخِيلًا وجَمْعُها ولائِجُ، يَقُولُ: لَمْ يَتَّخِذُوا دَخِيلًا مِن دُونِهِ يُسِرُّونَ إلَيْهِ غَيْرَ ما يُظْهِرُونَ نَحْوَ ما يَصْنَعُ المُنافِقُونَ، يُظْهِرُونَ الإيمانَ لِلَّذِينَ (p-٤٠٠)آمَنُوا وإذا خَلَوْا إلى شَياطِينِهِمْ قالُوا: إنّا مَعَكم. والحاصِلُ أنَّهُ لا يَكُونُ التَّرْكُ بِدُونِ عِلْمِ الأمْرَيْنِ حاصِلَيْنِ، والمُرادُ بِنَفْيِ العِلْمِ نَفْيُ المَعْلُومِ، فالمَعْنى: ولَمّا يَكُنْ مُجاهِدُونَ مُخْلِصُونَ. ولَمّا كانَ ظاهِرُ ذَلِكَ مَظِنَّةَ أنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ مَن لَمْ يَرْسَخْ قَدَمُهُ في المَعارِفِ، خَتَمَ بِقَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ الكامِلَةُ ﴿خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ أيْ: سَواءٌ بَرَزَ إلى الخارِجِ أوْ لا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب