الباحث القرآني
ولَمّا أشارَ إلى أنَّهُ هو ولِيُّهم أحْياهم بِرُوحٍ مِنهُ مُبَيِّنٌ لَهم ما يُصْلِحُهم وأنَّهُ لا ولِيَّ لَهم غَيْرُهُ، أقامَ الدَّلِيلَ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ تابَ اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الجَلالُ والإكْرامُ ﴿عَلى النَّبِيِّ﴾ أيِ الَّذِي لا يَزالُ عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ خَبَرٌ عَظِيمٌ يُرْشِدُهُ إلى ما يُؤْذِنُ بِتَقْوِيَةِ حَياتِهِ بِرَفْعِ دَرَجاتِهِ، فَما مِن مَقامٍ يُرَقِّيهِ إلَيْهِ إلّا رَأى أنَّهُ لِمَزِيدِ عُلُوِّهِ وتَقَرُّبِهِ لِلْمَقامِ الَّذِي كانَ دُونَهُ، فَهو في كُلِّ لَمْحَةٍ في ارْتِقاءٍ مِن كامِلٍ إلى أكْمَلَ إلى ما لا نِهايَةَ لَهُ.
ولَمّا أخْبَرَ تَعالى بِعُلُوِّ رُتْبَةِ النَّبِيِّ ﷺ بِتَرْقِيَتِهِ في رُتَبِ الكَمالاتِ والأكْمَلِيّاتِ إلى ما لا نِهايَةَ لَهُ عَلى وجْهٍ هو في غايَةِ البَعْثِ لِكُلِّ (p-٣٦)مُؤْمِنٍ عَلى المُبادَرَةِ إلى التَّوْبَةِ، أكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿والمُهاجِرِينَ والأنْصارِ﴾ بِمَحْوِ هَفَواتِهِمْ ورَفْعِ دَرَجاتِهِمْ ﴿الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ أيِ النَّبِيَّ ﷺ ﴿فِي ساعَةِ العُسْرَةِ﴾ أيْ أزْمِنَةِ عِزْوَةِ تَبُوكَ، كانُوا في عُسْرَةٍ مِنَ الزَّمانِ بِالجَدْبِ والضِّيقَةِ الشَّدِيدَةِ والحَرِّ الشَّدِيدِ، وعُسْرَةٍ مِنَ الظَّهْرِ ”يَعْتَقِبُ العَشَرَةُ“ عَلى بَعِيرٍ واحِدٍ. وعُسْرَةٍ مِنَ الزّادِ ”تَزَوَّدُوا التَّمْرَ [المُدَوِّدَ] والشَّعِيرَ [المُسَوِّسَ] والإهالَةَ الزَّنِخَةَ“، وبَلَغَتْ بِهِمُ الشِّدَّةُ أنِ اقْتَسَمَ التَّمْرَةَ اثْنانِ، ورُبَّما مَصَّها الجَماعَةُ لِيَشْرَبُوا عَلَيْها الماءَ، وفي عُسْرَةٍ مِنَ الماءِ حَتّى نَحَرُوا الإبِلَ واعْتَصَرُوا فُرُوثَها؛ وسَمّاها ساعَةً تَهْوِينًا لِأوْقاتِ الكُرُوبِ وتَشْجِيعًا عَلى مُواقَعَةِ المَكارِهِ؛ فَإنَّ أمَدَها يَسِيرٌ وأجْرَها عَظِيمٌ خَطِيرٌ، فَكانَتْ حالُهم بِاتِّباعِهِ في هَذِهِ الغَزْوَةِ أكْمَلَ مِن حالِهِمْ قَبْلَها، \ وأشارَ سُبْحانَهُ إلى تَفاوُتِهِمْ في الثَّباتِ عَلى مَقاماتٍ عالِيَةٍ، تَرَقَّوْا بِالتَّوْبَةِ إلى أعْلى مِنها، وفي قَبُولِ وساوِسَ أبْعَدَتْهم التَّوْبَةُ عَنْ قَبُولِها بِقَوْلِهِ: ﴿مِن بَعْدِ ما كادَ﴾ أيْ قَرُبَ قُرْبًا عَظِيمًا ﴿يَزِيغُ﴾ أيْ تَزُولُ عَنْ أماكِنِها المُوجِبَةِ لِصَلاحِها، وأشارَ بِ ”مِن“ إلى تَقارُبِ ما بَيْنَ كَيْدُودَةِ الزَّيْغِ والتَّدارُكِ بِالتَّوْبَةِ. ولَمّا كانَ المَقامُ لِلزَّلازِلِ، (p-٣٧)ناسَبَ التَّعْبِيرُ بِما مِنهُ الِانْقِلابُ والفُرْقَةُ فَقالَ: ﴿قُلُوبُ فَرِيقٍ﴾ أيْ: هم بِحَيْثُ تَحْصُلُ مِنهُمُ الفُرْقَةُ لِما هُناكَ مِنَ الزَّلازِلِ المُمِيلَةِ ﴿مِنهُمْ﴾ أيْ مِن عَظِيمِ ما نالَهم مِنَ الشَّدائِدِ فَتَمِيلُ لِذَلِكَ عَنِ الحَقِّ كَأبِي خَيْثَمَةَ، ومَن أحَبَّ الرّاحَةَ وهّابَ السَّفَرَ في ذَلِكَ الحَرِّ الشَّدِيدِ إلى بَنِي الأصْفَرِ المُلُوكِ الصِّيدِ الأبْطالِ الصَّنادِيدِ، وهم مَلْءُ الأرْضِ كَثْرَةً، وقَدْرَ الحَصى عِدَّةً، ومِثْلُ الجِبالِ شِدَّةً، ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لَهُ فَلَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَرَجَعَ سُبْحانَهُ بِالجَمِيعِ إلى ما كانُوا عَلَيْهِ قُبَيْلَ مُقارَبَةِ الزَّيْغِ مِن مُباعَدَتِهِ، ولَمّا صارُوا كَمَن لَمْ يُقارِبِ الزَّيْغَ أعْلاهم إلى مَقامٍ آخَرَ عَبَّرَ عَنْ عَظَمَتِهِ بِأداةِ التَّراخِي فَقالَ: ﴿ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ﴾ أيْ [كُلِّهِمْ تَكْرِيرًا لِلرِّفْعَةِ، أوْ عَلى مَن كادَ يَزِيغُ] بِالثَّباتِ عَلى مُباعَدَةِ الزَّلّاتِ وبِالتَّرَقِّي في أعالِي الدَّرَجاتِ إلى المَماتِ: ونَقَلَ أبُو حَيّانَ عَنِ الحَسَنِ أنَّ زَيْغَها هَمُّها بِالِانْصِرافِ لِما لَقِيَتْ مِنَ المَشَقَّةِ، قالَ: وقِيلَ: ساءَ ظَنُّها بِما رَأتْهُ مِن شِدَّةِ العُسْرَةِ وقِلَّةِ الوَفْرِ وبُعْدِ الشُّقَّةِ وقُوَّةِ العَدُوِّ المَقْصُودِ - انْتَهى.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَبَّرَ بِ ”ثَّمَ“ لِوُصُولِهِمْ إلى حالَةٍ يَبْعُدُ مَعَها الثَّباتُ فَضْلًا عَنْ مُباعَدَةِ مَواقِعِ الزَّلّاتِ فَثَبَّتَها حَتّى عادَتْ كالحَدِيدِ مِن غَيْرِ سَبَبٍ ظاهِرٍ مِن ”جَيْشٍ أوْ غَيْرِهِ“ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّهُ مالِكُ المُلْكِ مُتَمَكِّنٌ (p-٣٨)مِن فِعْلِ كُلِّ ما يُرِيدُهُ وأنَّهُ لا ولِيَّ لَهم سِواهُ: ثُمَّ عَلَّلَ لُطْفَهُ بِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ والرَّأْفَةُ: شِدَّةُ الرَّحْمَةِ، فَقَدَّمَ الأبْلَغَ فَيُقالُ فِيهِ ما قِيلَ في ”الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ“ فالمَعْنى: أنَّهُ يَرْحَمُهم أعْلى الرَّحْمَةِ بِإسْباغِ جَلائِلِ النِّعَمِ ودَفْعِ جَلائِلِ النِّقَمِ، ويَرْحَمُهم أيْضًا بِإسْباغِ دَقائِقِ النِّعَمِ ودَفْعِ دَقائِقِ النِّقَمِ، وقِيلَ: الرَّأْفَةُ: إزالَةُ الضُّرِّ، والرَّحْمَةُ: إيصالُ النَّفْعِ، ومادَّةُ رَأفَ تَدُورُ مَعَ السِّعَةِ عَلى ما أُشِيرَ إلَيْهِ في سُورَةِ سُبْحانَ عَلى شِدَّةِ الوَصْلَةِ. فالرَّأْفَةُ - كَما قالَ الحَرالِّيُّ في البَقَرَةِ - عَطْفُ العاطِفِ عَلى مَن يَجِدُ عِنْدَهُ مِنَّةً وصِلَةً، فَهي رَحْمَةُ ذِي الصِّلَةِ بِالرّاحِمِ، والرَّحْمَةُ تَعُمُّ مَن لا صِلَةَ لَهُ بِالرّاحِمِ - انْتَهى. فَتَكُونُ الرَّأْفَةُ حِينَئِذٍ لِلثّابِتِينَ والرَّحْمَةُ لِمَن قارَبَ الزَّيْغَ. فَيَصِيرُ الثّابِتُ مَرْحُومًا مَرَّتَيْنِ؛ لِأنَّهُ مَنظُورٌ إلَيْهِ بِالصِّفَتَيْنِ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ الحِزْبَيْنِ مِنَ البَقَرَةِ ما يَنْفَعُ هُنا.
{"ayah":"لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِیِّ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُ فِی سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ یَزِیغُ قُلُوبُ فَرِیقࣲ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











