الباحث القرآني

(p-١)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الغاشِيَةِ مَقْصُودُها شَرْحُ ما في آخِرِ ”سَبِّحْ“ مِن تَنْزِيهِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَنِ العَبَثِ بِإثْباتِ الدّارِ الآخِرَةِ الَّتِي الغاشِيَةُ مَبْدَؤُها، وذَكَرَ ما فِيها لِلْأتْقى والأشْقى، والدَّلالَةُ عَلى القُدْرَةِ عَلَيْها، وأدَلُّ ما فِيها عَلى هَذا المَقْصُودِ الغاشِيَةُ - نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ القَلْبِ الغاشِي والبَصِيرَةِ الغاشِيَةِ، لِئَلّا تَكُونَ الغاشِيَةُ عَلَيْنا بِسُوءِ الأعْمالِ ناشِيَةً ”بِسْمِ اللَّهِ“ الَّذِي لَهُ العَظَمَةُ البالِغَةُ والحِكْمَةُ الباهِرَةُ ”الرحمنْ“ الَّذِي لَهُ الفَيْضُ الأعْلى والنِّعَمُ الظّاهِرَةُ ”الرَّحِيم“ الَّذِي اصْطَفى أوْلِياءَ فَأصْلَحَ بَواطِنَ نِعَمِهِمْ حَتّى عادَتْ ظاهِرَةً طاهِرَةً. * * * لَمّا خُتِمَتْ ”سَبِّحْ“ بِالحَثِّ عَلى تَطْهِيرِ النُّفُوسِ عَنْ وضَرِ الدُّنْيا، ورَغِبَ في ذَلِكَ بِخَيْرِيَّةِ الآخِرَةِ تارَةً والِاقْتِداءِ بِأُولِي العَزْمِ مِنَ الأنْبِياءِ أُخْرى، رَهِبَ أوَّلُ هَذِهِ مِنَ الإعْراضِ عَنْ ذَلِكَ مَرَّةً، ومِنَ التَّزَكِّي بِغَيْرِ مِنهاجِ الرُّسُلِ أُخْرى، فَقالَ تَعالى مُذَكِّرًا بِالآخِرَةِ الَّتِي حَثَّ عَلَيْها آخِرُ (p-٢)تِلْكَ مُقَرِّرًا لِأشْرَفِ خَلْقِهِ ﷺ لِأنَّ ذَلِكَ أعْظَمُ في تَقْدِيرِ اتِّباعِهِ وأقْعَدُ في تَحْرِيكِ النُّفُوسِ إلى تَلَقِّي الخَبَرِ بِالقَبُولِ: ﴿هَلْ أتاكَ﴾ أيْ جاءَكَ وكانَ لَكَ وواجَهَكَ عَلى وجْهِ الوُضُوحِ يا أعْظَمَ خَلْقَنا ﴿حَدِيثُ الغاشِيَةِ﴾ أيِ القِيامَةِ الَّتِي تَغُشِّي النّاسَ بِدَواهِيها وشَدائِدِها العُظْمى وزَواجِرِها ونَواهِيها، فَإنَّ الغَشْيَ لا يَكُونُ إلّا فِيما يُكْرَهُ. وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: لَمّا تَقَدَّمَ تَنْزِيهُهُ سُبْحانَهُ عَمّا تَوَهَّمَ الظّالِمُونَ، واسْتَمَرَّتْ أيِ السُّورَةُ عَلى ما يُوَضِّحُ تَقَدُّسَ الخالِقِ جَلَّ جَلالُهُ عَنْ عَظِيمِ مَقالِهِمْ، أتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الغاشِيَةِ بَعْدَ افْتِتاحِ السُّورَةِ بِصُورَةِ الِاسْتِفْهامِ تَعْظِيمًا لِأمْرِها، فَقالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ”هَلْ أتاك“ يا مُحَمَّدُ ”﴿حَدِيثُ الغاشِيَةِ﴾“ وهي القِيامَةُ، [فَكَأنَّهُ] سُبْحانَهُ وتَعالى يَقُولُ: في ذَلِكَ اليَوْمِ يُشاهِدُونَ جَزاءَهم ويَشْتَدُّ تَحَسُّرُهم حِينَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ، ثُمَّ عَرَفَ بِعَظِيمِ امْتِحانِهِمْ في قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ لَهم طَعامٌ إلا مِن ضَرِيعٍ﴾ [الغاشية: ٦] مَعَ ما بَعْدَ ذَلِكَ وما قَبْلَهُ، ثُمَّ عَرَفَ بِذِكْرِ حالِ مَن كانَ في نَقِيضِ حالِهِمْ إذْ ذَلِكَ أزْيَدُ في الفَرَحِ وأدْهى، ثُمَّ أرْدَفَ بِذِكْرِ ما نَصَبَ مِنَ الدَّلائِلِ وكَيْفَ لَمْ يُغْنِ فَقالَ: ﴿أفَلا يَنْظُرُونَ إلى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية: ١٧] - الآياتُ، أيْ أفَلا يَعْتَبِرُونَ بِكُلِّ ذَلِكَ ويَسْتَدِلُّونَ بِالصَّنْعَةِ عَلى الصّانِعِ ثُمَّ أمَرَهُ بِالتِّذْكارِ - انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب