ولَمّا كانَتْ هَذِهِ النَّتِيجَةُ - الَّتِي هي الفَلّاحُ بِالتَّزْكِيَةِ وما تَبِعَها - خالِصَةَ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ الَّتِي بِها تَدْبِيرُ البَقاءِ الأوَّلِ، وصَفَها تَرْغِيبًا فِيها بِوَصْفِ جَمْعِ القِدَمِ المُسْتَلْزِمِ لِلصِّحَّةِ بِتَوارُدِ الأفْكارِ عَلى تَعاقُبِ الأعْصارِ، لِأنَّ ما مَضَتْ عَلَيْهِ السُّنُونُ ومَرَّتْ عَلى قَبُولِهِ الدُّهُورُ تَكُونُ النَّفْسُ أقْبَلُ لِلْإذْعانِ [لَهُ - ] وأدْعى إلى إلْزامِهِ، وأفادَ مَعَ القِدَمِ أنَّ المُنَزَّلَ عَلَيْهِ ﷺ لَيْسَ بِدَعًا مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ بَلْ هو عَلى (p-٤٠٧)مِنهاجِهِمْ، فَرَدَّ رِسالَتَهُ مِن بَيْنِهِمْ لا يَقُولُ بِهِ مُنْصِفٌ لا سِيَّما وقَدْ زادَ عَلَيْهِمْ في المُعْجِزاتِ و[سائِرِ - ] الكَراماتِ بِقَوْلِهِ مُؤَكِّدًا لِأجْلِ مَن يَكْذِبُ: ﴿إنَّ هَذا﴾ أيِ الوَعْظِ العَظِيمِ بِالتَّسْبِيحِ الَّذِي ذَكَّرَ في هَذِهِ السُّوَرِ وما تَأثَّرَ عَنْهُ مِنَ التَّزْكِيَةِ بِالذَّكَرِ المُوجِبِ لِلصَّلاةِ والإعْراضِ عَنِ الدُّنْيا والإقْبالِ عَلى الآخِرَةِ، لِأنَّهُ جامِعٌ لِكُلِّ خَيْرٍ، وهو ثابِتٌ في كُلِّ شَرِيعَةٍ لِأنَّهُ المَقْصُودُ بِالحُكْمِ فَهو لا يَقْبَلُ النَّسْخَ ﴿لَفِي الصُّحُفِ الأُولى﴾ فَمَن تَبِعَ هَذا القُرْآنَ الَّذِي هو في هَذِهِ الصُّحُفِ الرَّبّانِيَّةِ فَقَدْ تَحَلّى مِن زِينَةِ اللِّسانِ بِما يَنْقُلُهُ مِنَ البَيانِ الَّذِي هو في غايَةِ التَّحْرِيرِ وعِظَمِ الشَّأْنِ وما يَعْلَمُهُ مِنَ المُغَيَّباتِ مِمّا يَكُونُ أوْ كانَ، ونَسِيَهُ أهْلُ هَذِهِ الأزْمانِ، فاسْتَراحَ مِن ضَلالِ الشُّعَراءِ والكُهّانِ، المُوقِعِينَ في الإثْمِ والعُدْوانِ، فَإنَّ القُرْآنَ جَمْعُ المَدِيحِ الفائِقِ والنَّسِيبِ الرَّقِيقِ في وصْفِ الحَوَرِ والرَّحِيقِ والفَخْرِ الحَماسِيِّ والهِجاءِ البَلِيغِ لِأعْداءِ اللَّهِ، والتَّرْغِيبِ الجاذِبِ لِلْقُلُوبِ والتَّرْهِيبِ والمِلْحِ الخَبَرِيَّةِ والحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ - إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن أُمُورٍ لا تَصِلُ إلَيْها الشُّعَراءُ، ولا يَنْتَهِي إلى أدْنى جَنابِها بَلاغاتُ البُلَغاءِ.
{"ayah":"إِنَّ هَـٰذَا لَفِی ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ"}