الباحث القرآني

(p-٣٦٠)ولَمّا ذَكَرَ عِقابَ المُعانِدِينَ بادِئًا بِهِ لِأنَّ المَقامَ لَهُ، أتْبَعَهُ ثَوابَ العابِدِينَ، فَقالَ مُؤَكِّدًا لِما لِأعْدائِهِمْ مِن إنْكارِ ذَلِكَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ أقَرُّوا بِالإيمانِ ولَوْ عَلى أدْنى الوُجُوهِ مِنَ المَقْذُوفِينَ في النّارِ وغَيْرِهِمْ مِن كُلِّ طائِفَةٍ في كُلِّ زَمانٍ ﴿وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ تَصْدِيقًا لِإيمانِهِمْ وتَحْقِيقًا لَهُ. ولَمّا كانَ اللَّهُ سُبْحانَهُ مَن رَحِمَتِهِ قَدْ تَغَمَّدَ أوْلِياءَهُ بِعِنايَتِهِ ولَمْ يَكِلْهم إلى أعْمالِهِمْ لَمْ يَجْعَلْها سَبَبَ سَعادَتِهِمْ فَلَمْ يَقْرِنْ بِالفاءَ قَوْلَهُ: ﴿لَهُمْ﴾ أيْ جَزاءَ مُقاساتِهِمْ لِنِيرانِ الدُّنْيا مِن نارِ الأُخْدُودِ الحِسِّيَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ، ومِن نِيرانِ الغُمُومِ والأحْزانِ المَعْنَوِيَّةِ الَّتِي يَكُونُ المُباشِرُ لِأسْبابِها غَيْرُهُ سُبْحانَهُ فَيَكُونُ المُقاسِي لَها مَعَ حِفْظِهِ لِلدِّينِ كالقابِضِ عَلى الجَمْرِ ﴿جَنّاتٌ﴾ أيْ فَضْلًا مِنهُ ﴿تَجْرِي﴾ وقَرَّبَ مَنالَها بِالجارِّ فَقالَ: ﴿مِن تَحْتِها﴾ أيْ تَحْتَ غُرَفِها وأُسْرَتِها وجَمِيعِ أماكِنِها ﴿الأنْهارُ﴾ يَتَلَذَّذُونَ بِبَرْدِها في نَظِيرِ ذَلِكَ الحَرِّ الَّذِي صَبَرُوا عَلَيْهِ في الدُّنْيا ويَرُوقُهُمُ النَّظَرُ إلَيْها مَعَ خُضْرَةِ الجِنانِ والوُجُوهِ الحِسانِ الجالِبَةِ [لِلسُّرُورِ الجالِيَةِ -] لِلْأحْزانِ. ولَمّا ذَكَرَ هَذا الَّذِي يُسِرُّ النُّفُوسَ ويُذْهِبُ البُؤْسَ، [فَذْلَكَهُ - ] بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ الأمْرُ العالِي الدَّرَجَةِ العَظِيمِ البَرَكَةِ ﴿الفَوْزُ﴾ (p-٣٦١)أيِ الظَّفَرُ بِجَمِيعِ المَطالِبِ لا غَيْرُهُ ﴿الكَبِيرُ﴾ كِبْرًا لا تَفْهَمُونَ مِنهُ أكْثَرَ مَن ذَكَرَهُ بِهَذا الوَصْفِ عَلى سَبِيلِ الإجْمالِ، وذَلِكَ أنَّ مَن كَبَّرَهُ أنَّ هَذا الوُجُودَ كُلَّهُ يَصْغُرُ عَنْ أصْغَرِ شَيْءٍ مِنهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب