الباحث القرآني
ولَمّا كانَ هَذا دالًّا عَلى العَفْوِ، أتْبَعَهُ ما يَدُلُّ عَلى الإكْرامِ فَقالَ: ﴿ويَنْقَلِبُ﴾ أيْ يَرْجِعُ مِن نَفْسِهِ مِن غَيْرِ مُزْعِجٍ بِرَغْبَةٍ وقَبُولٍ ﴿إلى أهْلِهِ﴾ أيِ الَّذِينَ أهَّلَهُ اللَّهُ بِهِمْ في الجَنَّةِ فَيَكُونُ أعْرَفَ بِهِمْ وبِمَنزِلِهِ (p-٣٤١)الَّذِي أعَدَّ لَهُ مِنهُ بِمَنزِلِهِ في الدُّنْيا. ولَمّا كانَتِ السَّعادَةُ في حَصُورِ السُّرُورِ مِن غَيْرِ قَيْدٍ، بَنى لِلْمَفْعُولِ قَوْلَهُ: ﴿مَسْرُورًا﴾ [أيْ - ] قَدْ أُوتِيَ جَنَّةً وحَرِيرًا، فَإنَّهُ كانَ في الدُّنْيا في أهْلِهِ مُشْفِقًا مِنَ العَرْضِ عَلى اللَّهِ مَغْمُومًا مَضْرُورًا يُحاسِبُ نَفْسَهُ بَكْرَةً وعَشِيًّا حِسابًا عَسِيرًا مَعَ ما هو [فِيهِ - ] مِن نَكَدِ الأهْلِ وضِيقِ العَيْشِ وشُرُورِ المُخالِفِينَ، فَذَكَرَ هُنا الثَّمَرَةَ والمُسَبِّبَ لِأنَّها المَقْصُودَةُ بِالذّاتِ، وفي الشِّقِّ الآخَرِ السَّبَبِ والأصْلِ، وقَدِ اسْتَشْكَلَتِ الصَّدِيقَةُ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها هَذِهِ الآيَةَ بِما ”رُوِيَ عَنْها في الصَّحِيحِ بِلَفْظَيْنِ أحَدُهُما «لَيْسَ أحَدٌ يُحاسَبُ إلّا هَلَكَ» والثّانِي «مَن نُوقِشَ الحِسابَ عُذِّبَ» «قالَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ! ألَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ ﴿فَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ﴾ [الإنشقاق: ٧] الآيَةُ، فَقالَ: ﷺ: إنَّما ذَلِكَ العَرْضُ“» فَإنْ كانَ اللَّفْظُ الأوَّلِ هو الَّذِي سَمِعَتْهُ فالإشْكالُ فِيهِ واضِحٌ، وذَلِكَ أنَّهُ يَرْجِعُ إلى كُلِّيَّةٍ مُوجِبَةٍ هي ”كُلُّ مَن حُوسِبَ هَلَكَ“ والآيَةُ مَرْجِعٌ إلى جُزْئِيَّةٍ سالِبَةٍ وهي ”بَعْضُ مَن يُحاسِبُ لا يَهْلَكُ“ وهو نَقِيضٌ، وحِينَئِذٍ يَكُونُ اللَّفْظُ الثّانِي مِن تَصَرُّفِ الرُّواةِ، وإنْ كانَ الثّانِي هو الَّذِي سَمِعَتْهُ فَطَرِيقُ تَقْدِيرِ الإشْكالِ فِيهِ أنْ يُقالَ: المُناقَشَةُ في اللُّغَةِ مِنَ الِاسْتِقْصاءِ وهو بُلُوغُ الغايَةِ، وذَلِكَ في الحِسابِ (p-٣٤٢)بِذِكْرِ الجَلِيلِ والحَقِيرِ والمُجازاةِ عَلَيْهِ، فَرَجَعَ الأمْرُ أيْضًا إلى كُلِّيَّةٍ مُوجِبَةٍ هي ”كُلُّ مَن حُوسِبَ بِجَمِيعِ أعْمالِهِ عُذِّبَ“ وذَلِكَ شامِلٌ لِكُلِّ حِسابٍ سَواءٌ كانَ يَسِيرًا أوْ لا، لِأنَّ الأعَمَّ يَشْمَلُ جَمِيعَ أُخْصِيّاتِهِ، والآيَةُ مُثْبِتَةٌ أنَّ مَن أُعْطِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ يُحاسَبُ عَلَيْهِ ولا يَهْلَكُ، والصِّدِّيقَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها عالِمَةٌ بِأنَّ الكِتابَ يَثْبُتُ فِيهِ جَمِيعُ الأعْمالِ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يُغادِرُ صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً إلا أحْصاها﴾ [الكهف: ٤٩] ومِن حَدِيثِ الحافِظِينَ وغَيْرِ ذَلِكَ، فَرَجَعَ الأمْرُ إلى أنَّ بَعْضَ مَن يُحاسَبُ بِجَمِيعِ أعْمالِهِ لا يَهْلَكُ، وحِينَئِذٍ فالظّاهِرُ التَّعارُضُ فَسَألَتْ، فَأقَرَّها ﷺ عَلى الإشْكالِ وأجابَها بِما حاصِلُهُ أنَّ المُرادُ بِالحِسابِ في الحَدِيثِ مَدْلُولُهُ المُطابِقِيُّ، وهو ذِكْرُ الأعْمالِ [كُلِّها - ] - والمُقابَلَةُ عَلى كُلٍّ مِنها، وذَلِكَ هو مَعْنى المُناقَشَةِ، فَمَعْنى «مَن نُوقِشَ الحِسابَ» مَن حُوسِبَ حِسابًا حَقِيقِيًّا بِذِكْرِ جَمِيعِ أعْمالِهِ والمُقابِلَةِ عَلى كُلٍّ مِنها، وأنَّ المُرادَ بِالحِسابِ في الآيَةِ جُزْءُ المَعْنى المُطابَقِيِّ وهو ذِكْرُ الأعْمالِ فَقَطْ مِن غَيْرِ مُقابَلَةٍ، وذَلِكَ بِدَلالَةِ التَّضَمُّنِ مَجازًا مُرْسَلًا لِأنَّهُ إطْلاقُ اسْمِ الكُلِّ عَلى الجُزْءِ، ولِأجْلِ هَذا كانَتِ الصِّدِّيقَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها تَقُولُ بَعْدَ هَذا في تَفْسِيرِ الآيَةِ: يُقَرِّرُ بِذُنُوبِهِ ثُمَّ يَتَجاوَزُ عَنْها - كَما نَقَلَهُ عَنْها أبُو حَيّانَ، وعَلى ذَلِكَ دَلَّ قَوْلُهُ ﷺ فِيما رَواهُ الشَّيْخانُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: (p-٣٤٣)«إنَّ اللَّهَ تَعالى يُدْنِي المُؤْمِنَ يَوْمَ القِيامَةِ فَيَضَعُ كَنَفَهُ عَلَيْهِ ويَسْتُرُهُ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذا - حَتّى يُذَكِّرَهُ بِذُنُوبِهِ كُلِّها ويَرى في نَفْسِهِ أنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قالَ الرَّبُّ سُبْحانَهُ: سَتَرْتُها عَلَيْكَ في الدُّنْيا، وأنا أغْفِرُها لَكَ اليَوْمَ» ولَفْظُ ”كَنَفُهُ“ يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ فَإنَّ كَنَفَ الطّائِرِ جَناحُهُ، وهو إذا وقَعَ فَرْخُهُ في كَنَفِهِ عامَلَهُ بِغايَةِ اللُّطْفِ، فاللَّهُ تَعالى أرْحَمُ وألْطَفُ
{"ayah":"وَیَنقَلِبُ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











