الباحث القرآني

ولَمّا أفْهَمَ تَقْدِيمَ الجارِّ الِاخْتِصاصُ فَأفْهَمَ أنَّهم إذا فَعَلُوا مِن أنْفُسِهِمْ لا يَكُونُ كَذَلِكَ، صَرَّحَ بِهِ فَقالَ: ﴿وإذا كالُوهُمْ﴾ أيْ كالُوا النّاسَ أيْ حَقَّهم أيْ ما لَهم [ مِنَ الحَقِّ - ] ﴿أوْ وزَنُوهُمْ﴾ أيْ وزَنُوا ما عَلَيْهِمْ لَهُ مِنَ الحَقِّ، يُقالُ: اكْتالَ مِنَ الرَّجُلِ وعَلَيْهِ وكالَ لَهُ الطَّعامَ [ وكالَهُ الطَّعامُ- ]، ووَزَنْتُ الرَّجُلَ الشَّيْءَ ووَزَنْتُ لَهُ الشَّيْءَ، ولَعَلَّهُ سُبْحانَهُ اخْتارَ ”عَلى“ في الأوَّلِ والمُعَدّى إلى اثْنَيْنِ في الثّانِي لِأنَّهُ أدَلُّ عَلى (p-٣١٤)حُضُورِ صاحِبِ الحَقِّ، فَهو في غَيْبَتِهِ أوْلى، فَهو أدَلُّ عَلى المَرُونِ عَلى الوَقاحَةِ، فَهُما كَلِمَتانِ لا أرْبَعُ لِأنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الواوِ ألِفُ جَمْعٍ، قالَ البَغَوِيُّ: وكانَ عِيسى بْنُ عُمَرَ يَجْعَلُهُما حَرْفَيْنِ يَقِفُ عَلى كالُوا ووَزَنُوا ويَبْتَدِئُ هُمْ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: والِاخْتِيارُ الأوْلى، قالَ البَغَوِيُّ: يَعْنِي أنَّ كُلَّ واحِدَةٍ كَلِمَةٌ لِأنَّهم كَتَبُوهُما بِغَيْرِ ألْفٍ بِاتِّفاقِ المَصاحِفِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ولا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ ضَمِيرًا لِلْمُطَفِّفِينَ لِأنَّ الكَلامَ يَخْرُجُ بِهِ إلى نَظْمٍ فاسِدٍ، وذَلِكَ أنَّ المَعْنى: إذا أخَذُوا مِنَ النّاسِ اسْتَوْفُوا وإذا أعْطُوهم أُخْسِرُوا، وإنْ جَعَلْتَ الضَّمِيرَ لِلْمُطَفِّفِينَ انْقَلَبَ إلى قَوْلِكَ: [إذا - ] أخَذُوا مِنَ النّاسِ اسْتَوْفُوا، وإذا تَوَلَّوُا الكَيْلَ أوِ الوَزْنَ هم عَلى الخُصُوصِ أُخْسِرُوا، وهو كَلامٌ مُتَنافِرٌ لِأنَّ الحَدِيثَ واقِعٌ في الفِعْلِ لا في المُباشِرِ، والتَّعَلُّقُ في إبْطالِهِ بِخَطِّ المُصْحَفِ وأنَّ الألِفَ الَّتِي تُكْتَبُ بَعْدَ واوِ الجَمْعِ غَيْرُ ثابِتَةٍ فِيهِ رَكِيكٌ لِأنَّ خَطَّ المُصْحَفِ لَمْ يُراعَ في كَثِيرٍ مِنهُ حَدُّ المُصْطَلَحِ عَلَيْهِ في عِلْمِ الخَطِّ - انْتَهى. ولا شَكَّ أنَّ في خَطِّ المُصْحَفِ تَقْوِيَةً لِهَذا الوَجْهِ المَعْنَوِيِّ وتَأْكِيدًا ﴿يُخْسِرُونَ﴾ أيْ يُوجِدُونَ الخَسارَةَ بِالنَّقْصِ فِيما يَكِيلُونَ لِغَيْرِهِمْ، والحاصِلُ أنَّهم يَأْخُذُونَ وافِيًا أوْ زائِدًا ويُعْطُونَ ناقِصًا. (p-٣١٥)وقالَ الإمامُ [ أبُو جَعْفَرِ - ] ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَمّا قالَ سُبْحانَهُ وتَعالى في سُورَةِ الِانْفِطارِ ﴿وإنَّ عَلَيْكم لَحافِظِينَ﴾ [الإنفطار: ١٠] ﴿كِرامًا كاتِبِينَ﴾ [الإنفطار: ١١] الآيَةُ وكانَ مُقْتَضى ذَلِكَ الإشْعارُ بِوُقُوعِ الجَزاءِ عَلى جُزْئِيّاتِ الأعْمالِ وأنَّهُ لا يَفُوتُ عَمَلٌ كَما قالَ تَعالى: ﴿وإنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها وكَفى بِنا حاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٧] أتْبَعَ الآيَةَ المُتَقَدِّمَةَ بِجَزاءِ عَمَلٍ يَتَوَهَّمُ فِيهِ قُرْبَ المُرْتَكِبِ وهو مِن أكْبَرِ الجَرائِمِ، وذَلِكَ التَّطْفِيفُ في المِكْيالِ والمِيزانِ والِانْحِرافِ عَنْ إقامَةِ القِسْطِ في ذَلِكَ، فَقالَ تَعالى: ﴿ويْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين: ١] ثُمَّ أرْدَفَ تَهْدِيدَهم وتَشْدِيدَ وعِيدِهِمْ فَقالَ: ﴿ألا يَظُنُّ أُولَئِكَ أنَّهم مَبْعُوثُونَ﴾ [المطففين: ٤] ﴿لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [المطففين: ٥] ثُمَّ التَحَمَتِ الآيُ مُناسِبَةً لِما افْتُتِحَتْ بِهِ السُّورَةُ إلى خِتامِها - انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب