الباحث القرآني

ولَمّا وصَفَهُ السَّفِيرُ المَلَكِيُّ وهو جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِهَذِهِ الصِّفاتِ الخَمْسِ الَّتِي أزالَتْ عَنِ القُرْآنِ كُلَّ لَبْسٍ، وكانَ وصْفُهُ بِها إنَّما هو لِأجْلِ إثْباتِ شَرَفِ الرَّسُولِ البَشَرِيِّ الَّذِي هو بَيْنَ الحَقِّ وعامَّةِ الخَلْقِ، وهو النَّبِيُّ ﷺ بِأنَّ ما يَقُولُهُ كَلامُ اللَّهِ حَقًّا، وكانُوا يَصِفُونَهُ بِما هو في غايَةِ النَّزاهَةِ عَنْهُ وهم يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، أبْطَلَهُ مُبَكِّتًا لَهم بِالكَذِبِ ومُوَبِّخًا بِالبَلادَةِ بِقَوْلِهِ زِيادَةً في شَرَفِهِ حَيْثُ كانَ هو المُدافِعُ عَنْهُ: ﴿وما صاحِبُكُمْ﴾ أيِ الَّذِي طالَتْ صُحْبَتُهُ لَكم وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّهُ (p-٢٩١)فِي غايَةِ الكَمالِ حَتّى أنَّهُ لَيْسَ لَهُ وصْفٌ عِنْدَكم إلّا الأمِينَ، وأعْرَقَ في النَّفْيِ فَقالَ: ﴿بِمَجْنُونٍ﴾ أيْ كَما تَبْتَهُونَهُ بِهِ مِن غَيْرِ اسْتِحْياءٍ مِنَ الكَذِبِ الظّاهِرِ مَعَ ظُهُورِ التَّناقُضِ فِعْلُ ألْأمِ اللِّئامِ، بَلْ جاءَ بِالحَقِّ وصَدَّقَ المُرْسَلِينَ، فَما القُرْآنُ الَّذِي يَتْلُوهُ عَلَيْكم قَوْلُ مَجْنُونٍ ولا [قَوْلُ - ] مُتَوَسِّطٍ في العَقْلِ بَلْ قَوْلُ أعْقَلِ العُقَلاءِ وأكْمَلِ الكُمَلاءِ، وهَذا النَّفْيُ المُؤَكَّدُ ثابِتٌ لَهُ دائِمًا عَلى سَبِيلِ الِاسْتِغْراقِ لِكُلِّ زَمانٍ - هَذا ما دَلَّ عَلَيْهِ الكَلامُ لا ما قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنَّهُ يَدُلُّ عَلى أفْضَلِيَّةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ وعَلى بَقِيَّةِ المَلائِكَةِ، فَإنَّهُ ما سِيقَ لِذَلِكَ ولا هو واللَّهِ مِمّا يُرْضِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، قالَ الأصْبِهانِيُّ هُنا: هَذا يَدُلُّ عَلى فَضْلِهِ وأمّا أنَّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ أفْضَلُ مِن جَمِيعِ المَلائِكَةِ ومِن مُحَمَّدٍ ﷺ فَلا يُمْكِنُهُ، وقالَ في قَوْلِهِ تَعالى في البَقَرَةِ: ﴿ومَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٩٨] ولَمْ يَلْزَمْ مِن تَقْدِيمِ المَلائِكَةِ في الذِّكْرِ تَفْضِيلُهم عَلى الرُّسُلِ، وأمّا تَقْدِيمُ جِبْرِيلَ عَلى مِيكائِيلَ فَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أنْ يَكُونَ لِلشَّرَفِ كَما أنَّ تَخْصِيصَهُما بِالذِّكْرِ لِفَضْلِهِما، وقالَ في النَّجْمِ: ثُمَّ دَنا جِبْرِيلُ مِن رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ، وهَذا قَوْلُ مُجاهِدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ما رُوِيَ في الحَدِيثِ: «إنَّ أقْرَبَ المَلائِكَةِ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ» - انْتَهى. ولَوْ صَحَّ هَذا الحَدِيثُ (p-٢٩٢)لَكانَ فِيهِ كِفايَةً لَكِنْ لَمْ أجِدْهُ أصْلًا، وقالَ الأصْبَهانِيُّ في عَمَّ في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ﴾ [النبإ: ٣٨] عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: هو أعْظَمُ المَلائِكَةِ خَلْقًا وأشْرَفُ مِنهُمْ، وأقْرَبُ مِن رَبِّ العالَمِينَ - انْتَهى. فَهَذا كَما تَرى صَرِيحٌ في تَفْضِيلِ الرُّوحِ، وقالَ السُّهَيْلِيُّ في غَزْوَةِ بَدْرٍ في كِتابِهِ الرَّوْضِ: ونَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ فَكانَ في خَمْسِمِائَةٍ في المَيْمَنَةِ، ومِيكائِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ في خَمْسِمِائَةٍ في المَيْسَرَةِ، ووَراءَهم مَدَدٌ مِنَ المَلائِكَةِ لَمْ يُقاتِلُوا وهُمُ الآلافُ المَذْكُورُونَ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ، وكانَ إسْرافِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وسَطَ الصَّفِّ لا يُقاتِلُ كَما يُقاتِلُ غَيْرُهُ مِنَ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ - [انْتَهى- ] . وهَذا يَدُلُّ عَلى شَرَفِ إسْرافِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِأنَّ مَوْقِفَهُ مَوْقِفُ رَئِيسِ القَوْمِ وفِعْلَهُ فِعْلُهُ - واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب