الباحث القرآني

(p-٢٧٤)سُورَةُ التَّكْوِيرِ مَقْصُودُها التَّهْدِيدُ الشَّدِيدُ بِيَوْمِ الوَعِيدِ الَّذِي هو مَحَطُّ الرَّحّالِ، لِكَوْنِهِ أعْظَمَ مَقامٍ لِظُهُورِ الجَلالِ، لِمَن كَذَّبَ بِأنَّ هَذا القُرْآنَ تَذْكِرَةٌ لِمَن ذَكَرَهُ في صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأيْدِي سَفَرَةٍ، والدَّلالَةُ عَلى حَقِّيَّةِ كَوْنِهِ كَذَلِكَ بِأنَّ السَّفِيرَ بِهِ أمِينٌ في المَلَأِ الأعْلى مَكِينُ المُكانِفِ فِيما هُنالِكَ والمُوصِلُ بَعْدَهُ إلَيْنا مُنَزَّهٌ عَنِ التُّهْمَةِ بَرِئٌ مِنَ النَّقْصِ لِما يَعْلَمُونَهُ مِن حالِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وما كانُوا يَشْهَدُونَ لَهُ بِهِ مِن أمْرِهِ ولَمْ يَأْتِهِمْ بَعْدَها إلّا بِما هو شَرَفٌ لَهُ وتَذْكِيرٌ بِما في أنْفُسِهِمْ وفي الآفاقِ ومِنَ الآياتِ، وذَلِكَ كافٍ [لَهم - ] في الحُكْمِ بِأنَّهُ صِدْقٌ والعِلْمُ اليَقِينُ بِأنَّهُ حَقٌّ، واسْمُها التَّكْوِيرُ أدَلُّ ما فِيها عَلى ذَلِكَ بِتَأمُّلِ الظَّرْفِ وجَوابِهِ وما فِيهِ مِن بَدِيعِ القَوْلِ وصَوابِهِ، وما تَسَبَّبَ عَنْهُ مِن عِظَمِ الشَّأْنِ لِهَذا القُرْآنِ ( بِسْمِ اللَّهِ ) الواحِدِ القَهّارِ ( الرَّحْمَنِ ) الَّذِي عَمَّتْ نِعْمَةُ إيجادِهِ وبَيانِهِ الأبْرارَ والفُجّارَ ( الرَّحِيمِ ) الَّذِي خَصَّ أهْلَ وِدادِهِ بِما أسْعَدَهم في (p-٢٧٥)دارِ القَرارِ. * * * لَمّا خُتِمَتْ سُورَةُ عَبَسَ بِوَعِيدِ الكَفَرَةِ [الفَجَرَةِ - ] بِيَوْمِ الصّاخَّةِ لِجُحُودِهِمْ بِما لِهَذا القُرْآنِ مِنَ التَّذْكِرَةِ، ابْتُدِئَتْ هَذِهِ بِإتْمامِ ذَلِكَ، فَصَوَّرَ ذَلِكَ اليَوْمَ بِما يَكُونُ فِيهِ مِنَ الأُمُورِ الهائِلَةِ مِن عالَمِ المُلْكِ والمَلَكُوتِ حَتّى كَأنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ كَما رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ والطَّبَرانِيُّ وغَيْرُهم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِرِجالٍ ثِقاتٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «مَن أحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ رَأْيَ العَيْنِ فَلْيَقْرَأْ ﴿إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾» فَقالَ بادِئًا بِعالَمِ المُلْكِ والشَّهادَةِ لِأنَّهُ أقْرَبُ تَصَوُّرًا لِما يَغْلِبُ عَلى الإنْسانِ مِنَ الوُقُوفِ مَعَ المَحْسُوساتِ، مُعْلِمًا بِأنَّهُ سَيُخَرِّبُ تَزْهِيدًا في كُلِّ ما يَجُرُّ إلَيْهِ وحَثًّا عَلى عَدَمِ المُبالاةِ والِابْتِعادِ مِنَ التَّعَلُّقِ بِشَيْءٍ مِن أسْبابِهِ: ﴿إذا الشَّمْسُ﴾ أيِ الَّتِي هي أعْظَمُ آياتِ السَّماءِ الظّاهِرَةِ وأوْضَحُها لِلْحِسِّ. ولَمّا كانَ المَهُولُ مُطْلَقَ تَكْوِيرِها الدّالِّ عَلى عَظَمَةِ مُكَوِّرِها، بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ عَلى طَرِيقَةِ كَلامِ القادِرِينَ قَوْلُهُ: ﴿كُوِّرَتْ﴾ أيْ لُفَّتْ بِأيْسَرِ أمْرٍ مِن غَيْرِ كُلْفَةٍ ما أصْلًا، فَأُدْخِلَتْ في العَرْشِ - كَما قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما فَذَهَبَ ما كانَ يَنْبَسِطُ مِن نُورِها، مِن كُوِّرَتِ العِمامَةُ - إذا لَفَفْتَها فَكانَ (p-٢٧٦)بَعْضُها عَلى بَعْضٍ وانْطَمَسَ بَعْضُها بِبَعْضٍ، والثَّوْبُ - إذا جَمَعْتَهُ فَرَفَعْتَهُ، فالتَّكْوِيرُ كِنايَةٌ عَنْ رَفْعِها أوْ إلْقائِها في جَهَنَّمَ زِيادَةً في عَذابِ أهْلِها ولا سِيَّما عَبَدَتُها، أوْ ألْقَيْتُ عَنْ فَلَكِها، مِن طَعْنِهِ فَكَوَّرَهُ أيْ ألْقاهُ مُجْتَمِعًا، والتَّرْكِيبُ لِلْإدارَةِ والجَمْعِ والرَّفْعِ لِلشَّمْسِ، فِعْلٌ دَلَّ عَلَيْهِ ”كُوِّرَتْ“ لِأنَّ ”إذا“ تَطَلَّبُ الفِعْلَ لِما فِيها مِن مَعْنى الشَّرْطِ، و[لِما - ] كانَ التَّأْثِيرُ في الأعْظَمِ دالًّا عَلى التَّأْثِيرِ فِيما دُونَهُ بِطَرِيقِ الأوْلى، أتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ مُعَمِّمًا بَعْدَ التَّخْصِيصِ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب