الباحث القرآني

﴿فَأنْتَ لَهُ﴾ أيْ دُونَ الأعْمى ﴿تَصَدّى﴾ أيْ تَتَعَرَّضُ بِالإقْبالِ عَلَيْهِ والِاجْتِهادِ في وعْظِهِ رَجاءَ إسْلامِهِ وإسْلامِ أتْباعِهِ بِإسْلامِهِ وهم عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وأبُو جَهْلٍ و[ أُبَيُّ و- ] أُمَيَّةً ابْنا خَلْفٍ، وأشارَ حَذْفَ تاءِ التَّفَعُّلِ في قِراءَةِ الجَماعَةِ وإدْغامِها في قِراءَةِ نافِعٍ وابْنِ كَثِيرٍ [إلى - ] أنَّ ذَلِكَ كانَ عَلى وجْهٍ خَفِيفٍ كَما هي عادَةُ العُقَلاءِ. وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمّا قالَ سُبْحانَهُ ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَن يَخْشى﴾ [النازعات: ٢٦] وقالَ بَعْدَ ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرُ مَن يَخْشاها﴾ [النازعات: ٤٥] افْتُتِحَتْ هَذِهِ السُّورَةُ الأُخْرى بِمِثالٍ يَكْشِفُ عَنِ المَقْصُودِ مِن حالِ أهْلِ التَّذَكُّرِ والخَشْيَةِ وجَمِيلِ الِاعْتِناءِ الرَّبّانِيِّ بِهِمْ و[ أنَّهم و- ] إنْ كانُوا في دُنْياهم ذَوِي خُمُولٍ لا يَؤُبُّهُ لَهم فَهم عِنْدَهُ سُبْحانَهُ في عِدادِ مَنِ اخْتارَهُ لِعِبادَتِهِ (p-٢٥٣)وأهْلِهِ لِطاعَتِهِ وإجابَةِ رَسُولِهِ ﷺ وأعْلى مَنزِلَتِهِ لَدَيْهِ «رُبَّ أشْعَثَ أغْبَرَ لا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أقْسَمَ عَلى اللَّهِ لَأبَرَّهُ» ومِنهُمُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأعْمى مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ [وهُوَ - ] الَّذِي بِسَبَبِهِ نَزَلَتِ السُّورَةُ ووَرَدَتْ بِطَرِيقِ العَتَبِ وُصاةً لِنَبِيِّهِ ﷺ وتَنْبِيهًا عَلى أنْ يَعْمَلَ نَفْسَهُ الكَرِيمَةَ عَلى مُصابَرَةِ [أمْثالِ - ] ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وأنْ لا يَحْتَقِرَ وحاشاهُ ﷺ مِن ذَلِكَ، ولَكِنَّ التَّحْذِيرَ مِن هَذا وإنْ لَمْ يَكُنْ وقْعٌ يُشْعِرُ بِعَظِيمِ الِاعْتِناءِ بِمَن حَذَّرَ، ومِنهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ ﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] و﴿ولا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ [القصص: ٨٨] و﴿ولا تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحًا﴾ [الإسراء: ٣٧] وهو كَثِيرٌ، وبَسْطٌ هَذا الضَّرْبِ لا يُلائِمُ مَقْصُودُنا في هَذا التَّعْلِيقِ، لَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ ﷺ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ سائِلًا ومُسْتَرْشِدًا وهو ﷺ يُكَلِّمُ رَجُلًا مِن أشْرافِ قُرَيْشٍ وقَدْ طَمِعَ في إسْلامِهِ ورَجاءَ إنْقاذِهِ مِنَ النّارِ وإنْقاذِ ذَوِيهِ وأتْباعِهِ، فَتَمادى عَلى طَلَبِهِ هَذا الرَّجُلُ لَمّا كانَ يَرْجُوهُ ووَكَّلَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ إلى إيمانِهِ [فَأغْفَلَ - ] فَوْرِيَّةَ مُجاوَبَتِهِ وشَقَّ عَلَيْهِ إلْحاحُهُ خَوْفًا مَن تَفَلُّتِ الآخِرَةِ ومُضِيِّهِ عَلى عَقِبِهِ وهَلاكِهِ (p-٢٥٤)عَتَبَ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلَيْهِ فَقالَ: ﴿عَبَسَ وتَوَلّى﴾ [عبس: ١] ﴿أنْ جاءَهُ الأعْمى﴾ [عبس: ٢] ﴿وما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى﴾ [عبس: ٣] ﴿أوْ يَذَّكَّرُ﴾ [عبس: ٤] وهي مِنهُ سُبْحانَهُ واجِبَةٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ في السُّورَةِ قَبْلَ قَوْلِ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ﴿هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزَكّى﴾ [النازعات: ١٨] فَلَمْ يُقَدِّرْ لَهُ بِذَلِكَ ولا انْتَفَعَ بِبُعْدِ صِيتِهِ في دُنْياهُ ولا أغْنى عَنْهُ ما نالَ مِنها وبارَتْ [مَوادُّ - ] تَدْبِيرِهِ وعَمِيَتْ عَلَيْهِ الأنْباءُ إلى أنْ قالَ ﴿ما عَلِمْتُ لَكم مِن إلَهٍ غَيْرِي فَأوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلى الطِّينِ فاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أطَّلِعُ إلى إلَهِ مُوسى﴾ [القصص: ٣٨] ﴿وإنِّي لأظُنُّهُ كاذِبًا وكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ﴾ [غافر: ٣٧] فَأنّى يَزَّكّى؟ ولَوْ سَبَقَتْ لَهُ سَعادَةٌ لَأبْصَرَ مِن حالِهِ عَيْنَ اللَّهْوِ ولِلَّعِبِ حِينَ مَقالَتِهِ الشَّنْعاءِ ﴿أمْ أنا خَيْرٌ مِن هَذا الَّذِي هو مَهِينٌ﴾ [الزخرف: ٥٢] ولَمّا سَبَقَتْ لِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الحُسْنى لَمْ يَضِرْهُ عَدَمُ الصِّيتِ الدُّنْياوِيِّ ولا أخَلَّ بِهِ عَماهُ بَلْ عَظَّمَ رَبَّهُ شَأْنُهُ لَمّا نَزَلَ في حَقِّهِ ﴿وما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى﴾ [عبس: ٣] ﴿أوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى﴾ [عبس: ٤] فَيا لَهُ صِيتًا ما أجَّلَهُ بِخِلافِ مَن قَدَّمَ ذِكْرَهُ مِمَّنْ طُرِدَ فَلَمْ يَتَزَكَّ ولَمْ يَنْتَفِعْ بِالذِّكْرى حِينَ قُصِدَ بِها ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرُ مَن يَخْشاها﴾ [النازعات: ٤٥] كابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، ومِن نَمَطِ ما نَزَلَ في ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهم بِالغَداةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ﴾ [الكهف: ٢٨] [ وقَوْلُهُ: ﴿ولا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهم بِالغَداةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ﴾ [الأنعام: ٥٢] - ] فَتَبارَكَ رَبُّنا ما أعْظَمَ لُطْفَهُ بِعَبِيدِهِ - اللَّهُمَّ لا تُؤْيِسَنا (p-٢٥٥)مِن رَحْمَتِكَ ولا تَقْنُطْنا مِن لُطْفِكَ ولا تَقْطَعْ بِنا عَنْكَ بِمَنِّكَ وإحْسانِكَ - انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب