الباحث القرآني

ولَمّا كانَ الوَصْفُ بِهَذِهِ الأوْصافِ العالِيَةِ لِلْكَتَبَةِ الَّذِينَ أيْدِيهِمْ ظَرْفٌ لِلصُّحُفِ الَّتِي هي ظَرْفٌ لِلتَّذْكِرَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى عُلُوِّ المَكْتُوبِ وجَلالَةِ مِقْدارِهِ وعَظْمَةِ آثارِهِ وظُهُورِ ذَلِكَ لِمَن تَدَبَّرَهُ وتَأمَّلَهُ حَقَّ تَأمُّلِهِ (p-٢٥٩)وأنْعَمَ نَظَرَهُ، عَقِبَهُ [بِقَوْلِهِ - ] ناعِيًا عَلى مَن [لَمْ - ] يُقْبِلْ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَيْهِ داعِيًا بِأعْظَمِ شَدائِدِ الدُّنْيا الَّتِي هي القَتْلُ في صِيغَةِ الخَبَرِ لِأنَّهُ أبْلَغُ: ﴿قُتِلَ الإنْسانُ﴾ أيْ هَذا النَّوْعُ الآنِسُ بِنَفَسِهِ النّاسِي لِرَبِّهِ المُتَكَبِّرُ عَلى غَيْرِهِ المُعْجَبُ بِشَمائِلِهِ الَّتِي أبْدَعَها لَهُ خالِقُهُ، حَصَلَ قَتْلُهُ بِلَعْنِهِ وطَرْدِهِ وفَرَغَ مِنهُ بِأيْسَرِ سَعْيٍ وأسْهَلِهِ مِن كُلِّ مَن يَصِحُّ ذَلِكَ مِنهُ لِأنَّهُ أسْرَعُ شَيْءٍ إلى الفَسادِ لِأنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلى النَّقائِصِ إلّا مَن عَصَمَ اللَّهُ ﴿ما أكْفَرَهُ﴾ أيْ ما أشَدَّ تَغْطِيَتَهُ لِلْحَقِّ وجَحْدَهُ لَهُ وعِنادَهُ فِيهِ لِإنْكارِهِ البَعْثَ وإشْراكِهِ بِرَبِّهِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن أمْرِهِ، فَهو دُعاءُ عَلَيْهِ بِأشْنَعِ دُعاءٍ [و -] تَعْجِيبٌ مِن إفْراطِهِ في سَتْرِ مَحاسِنِ القُرْآنِ الَّتِي لا تَخْفى عَلى أحَدٍ ودَلائِلُهُ عَلى القِيامَةِ وكُلُّ شَيْءٍ لا يَسَعُ [أحَدًا - ] التَّغْبِيرُ في وجْهِ شَيْءٍ مِنها، وهَذا الدُّعاءُ عَلى وجازَتِهِ يَدُلُّ عَلى سُخْطٍ عَظِيمٍ وذَمٍّ بَلِيغٍ وهو وإنْ كانَ في مَخْصُوصٍ فالعِبْرَةُ بِعُمُومِهِ في كُلِّ مَن كَفَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ، رُوِيَ أنَّها نَزَلَتْ في عُتْبَةَ بْنِ أبِي لَهَبٍ غاضِبِ أباهُ فَأسْلَمَ ثُمَّ اسْتَصْلَحَهُ أبُوهُ وأعْطاهُ مالًا وجَهَّزَهُ إلى الشّامِ فَبَعَثَ إلى النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ كافِرٌ بِرَبِّ النَّجْمِ إذا هَوى، وأفْحَشَ في غَيْرِ هَذا، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ «اللَّهُمَّ ابْعَثْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِن كِلابِكَ» فَلَمّا انْتَهى إلى مَكانٍ مِنَ الطَّرِيقِ فِيهِ الأسَدُ (p-٢٦٠)ذَكَرَ الدُّعاءَ فَجَعَلَ لِمَن مَعَهُ ألْفَ دِينارٍ إنْ أصْبَحَ [حَيًّا - ] فَجَعَلُوهُ في وسَطِ الرُّفْقَةِ والمَتاعِ والرِّحالِ فَأقْبَلَ الأسَدُ إلى الرِّحالِ ووَثَبَ فَإذا هو فَوْقَهُ فَمَزَّقَهُ فَكانَ أبُوهُ يَنْدُبُهُ ويَبْكِي عَلَيْهِ وقالَ: ما قالَ مُحَمَّدٌ شَيْئًا إلّا كانَ، [ومَعَ - ] ذَلِكَ فَما نَفَعَهُ ما عَرَفَ مِن ذَلِكَ، فَسُبْحانَ مَن بِيَدِهِ القُلُوبُ يُضِلُّ مَن يَشاءُ ويَهْدِي مَن يَشاءُ، وكُلُّ ذَلِكَ مِن هِدايَتِهِ وإضْلالِهِ شاهِدٌ بِأنَّ لَهُ الحَمْدُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب