الباحث القرآني

(p-٢٤٩)سُورَةُ عَبَسَ وتُسَمّى الصّاخَّةُ مَقْصُودُها شَرْحُ ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرُ مَن يَخْشاها﴾ [النازعات: ٤٥] بِأنَّ المُرادَ الأعْظَمَ تَزْكِيَةُ القابِلِ لِلْخَشْيَةِ بِالتَّخْوِيفِ بِالقِيامَةِ الَّتِي قامَ الدَّلِيلُ عَلى القُدْرَةِ عَلَيْها بِابْتِداءِ الخَلْقِ مِنَ الإنْسانِ، وبِكُلٍّ مِنَ الِابْتِداءِ والإعادَةِ لِطَعامِهِ والتَّعْجِيبِ مِمَّنْ أعْرَضَ مَعَ قِيامِ الدَّلِيلِ والإشارَةِ إلى أنَّ الِاسْتِغْناءَ والتَّرَفَ أمارَةُ الإعْراضِ وعَدَمُ القابِلِيَّةِ والتَّهَيُّؤِ لِلْكُفْرِ والفُجُورِ، وإلى أنَّ المَصائِبَ أمارَةٌ لِلطَّهارَةِ والإقْبالِ واسْتِكانَةِ القُلُوبِ وسُمُوِّ النُّفُوسِ لِشَرِيفِ الأ " مالَ، فَكُلُّ مَن كانَ فِيها أرْسَخُ كانَ قَلْبَيْهِ أرَقَّ وألْطَفَ فَكانَ أخْشى، فَكانَ الإقْبالُ عَلَيْهِ أحَبَّ وأوْلى، واسْمُها عَبَسَ هو الدّالُّ عَلى ذَلِكَ بِتَأمُّلِ آياتِهِ وتَدَبُّرِ فَواصِلِهِ وغاياتِهِ، وكَذا الصّاخَّةُ النّافِخَةُ بَشَرِّها وشَرَرِها والباخَةُ ( بِسْمِ اللَّهِ ) الَّذِي لَهُ القُدْرَةُ البالِغَةُ والحِكْمَةُ الباهِرَةُ ( الرَّحْمَنِ ) الَّذِي عَمَّ بِنِعْمَةِ الإيجادِ الظّاهِرَةِ ثُمَّ بِآياتِ البَيانِ الزّاهِرَةِ، ( الرَّحِيمِ ) الَّذِي خَصَّ أوْلِياءَهُ بِأنْ أتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ، فَكانَتْ بِهِمْ إلى مَرْضاتِهِ سائِرَةٌ. * * * (p-٢٥٠)لِما قَصَرَهُ سُبْحانَهُ عَلى إنْذارِهِ مَن يَخْشى، وكانَ قَدْ جاءَهُ ﷺ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ [الأعْمى - ] رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وكانَ مِنَ السّابِقِينَ، وكانَ النَّبِيُّ ﷺ حِينَ مَجِيئِهِ مُشْتَغِلًا بِدُعاءِ ناسٍ مِن صَنادِيدِ قُرَيْشٍ إلى اللَّهِ تَعالى، وقَدْ وجَدَ مِنهم نَوْعَ لِينٍ، فَشَرَعَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْألُهُ [ وهو لا يَعْلَمُ ما هو فِيهِ مِنَ الشَّغْلِ، يَسْألُهُ - ] أنْ يُقْرِئَهُ ويُعَلِّمَهُ [ مِمّا عَلَّمَهُ اللَّهُ - ] فَكَرِهَ أنْ يَقْطَعَ كَلامَهُ مَعَ أُولَئِكَ خَوْفًا مِن أنْ يَفُوتَهُ مِنهم ما يَرْجُوهُ مِن إسْلامِهِمُ المُسْتَتْبَعِ لِإسْلامِ ناسٍ كَثِيرٍ مِن أتْباعِهِمْ، فَكانَ يُعْرِضُ عَنْهُ ويُقْبِلُ عَلَيْهِمْ، وتَظْهَرُ الكَراهَةُ في وجْهِهِ، لاطَفَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى بِالعِتابِ عَنِ التَّشاغُلِ عَنْ أهْلِ ذَلِكَ بِالتَّصَدِّي لِمَن شَأْنُهُ أنْ لا يَخْشى لِافْتِتانِهِ بِزِينَةِ الحَياةِ الدُّنْيا وإقْبالِهِ بِكُلِّيَّتِهِ عَلى ما يَفْنى، فَقالَ مُبَيِّنًا لِشَرَفِ الفَقْرِ وعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وفَضْلِ أهْلِ الدِّينِ وإنْ هانُوا، وخِسَّةِ أهْلِ الدُّنْيا وإنْ زانُوا، مُعَظِّمًا لَهُ ﷺ بِسِياقِ الغَيْبَةِ كَما قالَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمّا حَكَمَ في بَنِي قُرَيْظَةَ: وعَلى مَن هَهُنا - يُشِيرُ إلى ناحِيَةِ النَّبِيِّ ﷺ وهو مُعْرِضٌ عَنْها حَياءً مِنهُ ﷺ وإجْلالًا لَهُ: ﴿عَبَسَ﴾ أيْ فَعَلَ الَّذِي هو أعْظَمَ خَلْقِنا ونُجِلُّهُ عَنْ أنْ نُواجِهَهُ بِمِثْلِ هَذا العِتابِ بِوَجْهِهِ فِعْلَ الكارِهِ لِلشَّيْءِ مِن تَقْطِيبِ الوَجْهِ بِما لَهُ مِنَ الطَّبْعِ البَشَرِيِّ حِينَ يُحالُ بَيْنَهُ وبَيْنَ مُرادِهِ، وآذَنَ بِمَدْحِهِ ﷺ بِأنَّ ذَلِكَ خِلافَ ما طَبَّعَهُ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ مِن رَحْمَةِ المَساكِينِ ومَحَبَّتِهِمْ والسُّرُورِ بِقُرْبِهِمْ وصُحْبَتِهِمْ (p-٢٥١)[بِقَوْلِهِ - ] ﴿وتَوَلّى﴾ أيْ كَلَّفَ نَفْسَهُ الإعْراضَ عَنْهُ رَجاءِ أنْ يُسْلِمَ أُولَئِكَ الأشْرافُ الَّذِينَ كانَ يُخاطِبُهم فَيَتَأيَّدُ بِهِمُ الإسْلامُ ويُسْلِمُ بِإسْلامِهِمْ أتْباعُهم فَتَعْلُو كَلِمَةُ اللَّهِ [لِأجَلِ - ]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب