الباحث القرآني

ولَمّا كانَ ضَمانُ النَّصْرِ والحَلِفِ في النَّفَقَةِ مُوجِبًا لِدَوامِ المُصادَمَةِ والبُعْدِ مِنَ المُسالَمَةِ، أتْبَعَهُ قَوْلَهُ: أمْرًا بِالِاقْتِصادِ: ﴿وإنْ جَنَحُوا﴾ أيْ: مالُوا وأقْبَلُوا في نَشاطٍ وطَلَبٍ حازِمٍ ﴿لِلسَّلْمِ﴾ أيِ: المُصالَحَةِ، والتَّعْبِيرُ بِاللّامِ دُونَ ”إلى“ لا يَخْلُو عَنْ إيماءٍ إلى التَّهالُكِ عَلى ذَلِكَ لِيَتَحَقَّقَ صِدْقُ المَيْلِ ﴿فاجْنَحْ﴾ ولَمّا كانَ السَّلْمُ مُذَكَّرًا يَجُوزُ تَأْنِيثُهُ، قالَ: ﴿لَها﴾ أيِ: المُصالَحَةِ، أوْ يَكُونُ تَأْنِيثُهُ بِتَأْنِيثِ ضِدِّهِ الحَرْبِ، وكَأنَّهُ اخْتِيرَ التَّأْنِيثُ إشارَةً إلى أنَّهُ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلى أقَلَّ ما يُمْكِنُ مِنَ المُدَّةِ بِحَسْبِ الحاجَةِ، هَذا إذا كانَ الصَّلاحُ لِلْمُسْلِمِينَ في ذَلِكَ بِأنْ يَكُونَ بِهِمْ ضَعْفٌ، وأقْصى مُدَّةَ الجَوازِ عَشْرُ سِنِينَ اقْتِداءً بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلا تَجُوزُ الزِّيادَةُ. (p-٣١٧)ولَمّا كانَ ذَلِكَ مَظِنَّةَ أنْ يُقالَ: إنَّهُ قَدْ عُهِدَ مِنهم مَنِ الخِداعِ ما أعْلَمَ أنَّهم مَطْبُوعُونَ مِنهُ عَلى ما لا يُؤْمِنُونَ مَعَهُ فَمُسالَمَتُهم خَطَرٌ بِغَيْرِ نَفْعٍ، لَوَّحَ إلى ما يُنافِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ مَجامِعُ العَظَمَةِ فِيما تَعْهَدُهُ مِن خِداعِهِمْ فَإنَّهُ يَكْفِيكَ أمْرَهُ ويَجْعَلُهُ سَبَبًا لِدَمارِهِمْ كَما وقَعَ في صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ فَإنَّ غَدْرَهم فِيهِ كانَ سَبَبَ الفَتْحِ، وحَرْفُ الِاسْتِعْلاءِ في هَذا وأمْثالِهِ مُعْلِمٌ بِأنَّهُ يَفْعَلُ مَعَ المُتَوَكِّلِ فِعْلَ الحامِلِ لِما وُكِلَ إلَيْهِ المُطِيقِ لِحَمْلِهِ؛ ثُمَّ عَلَّلَ الأمْرَ بِالتَّوَكُّلِ الَّذِي مَعْناهُ عَدَمُ الخَوْفِ مِن عاقِبَةِ أمْرِهِمْ في ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّهُ هُوَ﴾ أيْ: وحْدَهُ ﴿السَّمِيعُ﴾ أيِ: البالِغُ السَّمْعِ، فَهو يَسْمَعُ كُلَّ ما أبْرَمُوهُ في ذَلِكَ وغَيْرَهُ سِرًّا كَما يَسْمَعُهُ عَلانِيَةً ﴿العَلِيمُ﴾ أيِ: البالِغُ العِلْمِ وحْدَهُ فَهو يَعْلَمُ كُلَّ ما أخْفَوْهُ كَما أنَّهُ يَعْلَمُ ما أعْلَنُوهُ؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب