الباحث القرآني

ثُمَّ ذَكَرَ دَلِيلَ كَراهَتِهِمْ فَقالَ: ﴿يُجادِلُونَكَ﴾ أيْ: يُكَرِّرُونَ ذَلِكَ إرادَةَ أنْ يَفْتِلُوكَ عَنِ اللِّقاءِ لِلْجَيْشِ إلى الرُّجُوعِ عَنْهُ. ولَمّا كانَ الجَيْشُ أمْرًا قَدْ حَتَّمَهُ اللَّهُ فَلا بُدَّ مِن وُقُوعِهِ مَعَ أنَّهُ يُرْضِيهِ، قالَ: ﴿فِي الحَقِّ﴾ أيِ: الَّذِي هو إيثارُ الجِهادِ ﴿بَعْدَما تَبَيَّنَ﴾ أيْ: وضَحَ وُضُوحًا عَظِيمًا سَهْلًا مِن غَيْرِ كُلْفَةِ نَظَرٍ بِقَرائِنِ الأحْوالِ بِفَواتِ العِيرِ وتَيْسِيرِ أمْرِ النَّفِيرِ وبِإعْلامِ الرَّسُولِ ﷺ لَهم تارَةً صَرِيحًا وتارَةً تَلْوِيحًا كَقَوْلِهِ: «”واللَّهِ لَكَأنِّي أنْظُرُ إلى مَصارِعِ القَوْمِ، هَذا مَصْرَعُ فُلانٍ وذَلِكَ مَصْرَعُ فُلانٍ“». ولَمّا كانَ سُبْحانَهُ قَدْ حَكَمَ بِاللِّقاءِ والنُّصْرَةِ تَأْيِيدًا لِوَلِيِّهِ وإعْلاءً لِكَلِمَتِهِ مَعَ شِدَّةِ كَراهَتِهِمْ لِذَلِكَ، شَبَّهَ سَوْقَهُ لَهم إلى مُرادِهِ. (p-٢٢٤)فَقالَ بانِيًا لِلْمَفْعُولِ؛ لِأنَّ المَكْرُوهَ إلَيْهِمُ السَّوْقُ لا كَوْنُهُ مِن مُعَيَّنٍ: ﴿كَأنَّما يُساقُونَ﴾ أيْ: يَسُوقُهم سائِقٌ لا قُدْرَةَ لَهم عَلى مُمانَعَتِهِ ﴿إلى المَوْتِ وهم يَنْظُرُونَ﴾ لِأنَّها كانَتْ أوَّلَ غَزْوَةٍ غَزاها النَّبِيُّ ﷺ وكانَ فِيها لِقاءٌ، وكانُوا غَيْرَ مُتَأهِّبِينَ لِلْقِتالِ غايَةَ التَّأهُّبِ، إنَّما خَرَجُوا لِلِقاءِ العِيرِ، هَذا مَعَ أنَّهم عَدَدٌ يَسِيرٌ، وعَدَدُ أهْلِ النَّفِيرِ كَثِيرٌ، وكانُوا في غايَةِ الهَيْبَةِ لِلِقائِهِمْ والرُّعْبِ مِن قِتالِهِمْ، وكُلُّ هَذا تَذْكِيرٌ لَهم بِأنَّهُ لَمْ يَنْصُرْهم إلّا اللَّهُ بِلا صُنْعٍ مِنهُمْ، بَلْ كانُوا في يَدِ قُدْرَتِهِ كالآلَةِ في يَدِ أحَدِهِمْ، لِيُنْتِجَ ذَلِكَ أنَّهُ لَيْسَ لَهم أنْ يُنازِعُوا في الأنْفالِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب