الباحث القرآني
ولَمّا أخْبَرَ سُبْحانَهُ عَنْ أحْوالِ الكُفّارِ في الأعْمالِ البَدَنِيَّةِ، وكانَ غَلَبُهم مَعَ كَثْرَتِهِمْ وقُوَّتِهِمْ مُسْتَبْعَدًا، أخْبَرَ بِما يُقَرِّبُهُ مُبَيِّنًا لِأعْمالِهِمُ المالِيَّةِ فَقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ: مَعَ كَثْرَتِهِمْ لِأنَّهم سَتَرُوا مَرائِيَ عُقُولِهِمُ الَّتِي هي الإنْسانُ بِالحَقِيقَةِ فَنَقَصُوا بِذَلِكَ نَقْصًا لا يُدْرَكُ كُنْهُهُ ﴿يُنْفِقُونَ أمْوالَهُمْ﴾ أيْ: يَعْزِمُونَ عَلى إنْفاقِها فِيما يَأْتِي ﴿لِيَصُدُّوا﴾ أيْ: بِزَعْمِهِمْ أنْفُسَهم وغَيْرَهم ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيْ: عَنْ سُلُوكِ طَرِيقِ - الَّذِي لا يُدانِي عَظَمَتَهُ عَظَمَةً مَعَ اتِّساعِهِ ووُضُوحِهِ وسُهُولَتِهِ ﴿فَسَيُنْفِقُونَها﴾ (p-٢٧٧)أيْ: بِحُكْمٍ قاهِرٍ لَهم لا يَقْدِرُونَ عَلى الِانْفِكاكِ عَنْهُ ﴿ثُمَّ تَكُونُ﴾ أيْ: بَعْدَ إنْفاقِها بِمُدَّةٍ، وعَبَّرَ بِعِبارَةٍ ظاهِرَةٍ في مَضَرَّتِها فَقالَ: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ وأبْلَغَ في ذَلِكَ بِأنْ أوْقَعَ عَلَيْها المَصْدَرَ فَقالَ: ﴿حَسْرَةً﴾ أيْ: لِضَياعِها وعَدَمِ تَأْثِيرِها ﴿ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾ أيْ: كَما اتَّفَقَ لَهم في بَدْرٍ سَواءٌ، فَإنَّهم أنْفَقُوا مَعَ الكَثْرَةِ والقُوَّةِ ولَمْ يُغْنِ عَنْهم شَيْءٌ مِن ذَلِكَ شَيْئًا مِمّا أرادَ اللَّهُ بِهِمْ، بَلْ كانَ وبالًا عَلَيْهِمْ، فَإنَّهُ كانَ سَبَبًا لِجُرْأتِهِمْ حَتّى أقْدَمُوا نَظَرًا إلى الحاضِرِ وقُصُورًا عَنِ الغائِبِ كالبَهائِمِ فَهَلَكُوا، وكانَ ذَلِكَ قُوَّةً لِلْمُؤْمِنِينَ فَما كانَ في الحَقِيقَةِ إلّا لَهُمْ، وهَذا الكَلامُ مُنْطَبِقٌ عَلى ما كانَ سَبَبَ نُزُولِ الآيَةِ وعَلى كُلِّ ما شاكَلَهُ، وذَلِكَ أنَّهم لَمّا قُهِرُوا في بَدْرٍ قالَ لَهم أبُو سُفْيانَ: إنَّهُ يَنْبَغِي أنْ تُنْفِقُوا مالَ تِلْكَ العِيرِ - يَعْنِي الَّتِي كانَتْ مَعَهُ - ونَحُثُّ عَلى حَرْبِ مُحَمَّدٍ، فَأجابُوا وأنْفَقُوهُ عَلى غَزْوَةِ أُحُدٍ فَحَصَلَ لَهم فِيها بَعْضُ ظَفَرٍ ثُمَّ تَعْقُبُهُ الحَسْرَةُ والمَغْلُوبِيَّةُ في بَدْرٍ المَوْعِدِ وكُلِّ ما بَعْدَها؛ ثُمَّ أظْهَرَ وصْفَهُمُ الَّذِي اسْتَحَقُّوا بِهِ ذَلِكَ تَعْلِيقًا لِلْحُكْمِ بِهِ وتَعْمِيمًا مُنْذِرًا لَهم بِما هو أشَدُّ مِن ذَلِكَ فَقالَ: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ: حُكِمَ بِدَوامِ كُفْرِهِمْ عامَّةً سَواءٌ زادُوا عَلى الكُفْرِ فِعْلَ ما تَقَدَّمَ أمْ لا ﴿إلى جَهَنَّمَ﴾ أيْ: لا إلى غَيْرِها.
ولَمّا كانَ المَنكِيُّ هو الحَشْرُ، لا كَوْنُهُ مِن مُعَيَّنٍ، بَنى لِلْمَفْعُولِ قَوْلَهُ: ﴿يُحْشَرُونَ﴾ أيْ: بَعْدَ المَوْتِ فَهم في خِزْيٍ دائِمٍ دُنْيا وأُخْرى، ويَجُوزُ أنْ يُتَجَوَّزَ بِجَهَنَّمَ عَنْ أسْبابِها فَيَكُونُ المَعْنى أنَّهم يُسْتَدْرَجُونَ بِمُباشَرَةِ أسْبابِها (p-٢٧٨)إلَيْها ويُحْمَلُونَ في الدُّنْيا عَلَيْها، وهَذِهِ الآياتُ - مَعَ كَوْنِها مُعْلِمَةً بِما لَهم في الدُّنْيا وما لَهم في الآخِرَةِ مِن أنَّ آخِرَ أمْرِهِمْ في الدُّنْيا الغَلَبُ كَما كَشَفَ عَنْهُ الزَّمانُ عَلَمًا مِن أعْلامِ النُّبُوَّةِ وفي الآخِرَةِ جَهَنَّمُ - هي مُبَيِّنَةٌ لِكَذِبِهِمْ في قَوْلِهِمْ: ﴿لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذا﴾ [الأنفال: ٣١] فَإنَّهم لَوْ كانُوا صادِقِينَ في دَعْواهم لَقالُوا مِثْلَهُ ثُمَّ قالُوا: لَوْ كانَ هَذا هو الحَقَّ لا غَيْرَهُ لَما قُلْنا مِثْلَهُ، مَوْضِعَ قَوْلِهِمْ: ﴿إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ﴾ [الأنفال: ٣٢] إلى آخِرِهِ، وأمّا آيَةُ المُكاءِ والتَّصْدِيَةِ فَكَأنَّها تَقُولُ: هَذا القُرْآنُ في أعْلى دَرَجِ البَلاغَةِ ولَمْ تُؤَهَّلُوا أنْتُمْ - مَعَ ادِّعائِكُمُ السَّبْقَ في البَلاغَةِ - لِأنْ تُعارِضُوا بِشَيْءٍ لَهُ أهْلِيَّةٌ لِشَيْءٍ مِنَ البَلاغَةِ، بَلْ نَزَلْتُمْ إلى أصْواتِ الحَيَواناتِ العُجْمِ حَقِيقَةً، فَلا أجْلى مِن هَذا البَيانِ عَلى ما ادَّعَيْتُمْ مِنَ الزُّورِ والبُهْتانِ، وأمّا آيَةُ الإنْفاقِ فَقائِلَةٌ: لَوْ قَدَرْتُمْ في مُعارَضَتِهِ عَلى إنْفاقِ الأقْوالِ لَما عَدَلْتُمْ عَنْهُ إلى إنْفاقِ الأمْوالِ المُفْضِي إلى مُقاساةِ الأهْوالِ وفَسادِ الأشْباحِ ونَفُوقِ ما حَوَتْ مِنَ الأرْواحِ المُؤَدِّي إلى الذُّلِّ السَّرْمَدِ بِالعَذابِ المُؤَبَّدِ.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُنفِقُونَ أَمۡوَ ٰلَهُمۡ لِیَصُدُّوا۟ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ فَسَیُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَیۡهِمۡ حَسۡرَةࣰ ثُمَّ یُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ یُحۡشَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق