الباحث القرآني

ولَمّا وعَدَ سُبْحانَهُ بِهَذا الفَضْلِ العَظِيمِ والنَّبَأِ الجَسِيمِ، ذَكَّرَهم مِن أحْوالِ داعِيهِمْ وقائِدِهِمْ وهادِيهِمْ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والتَّحِيَّةُ والإكْرامُ بِما يَدْعُوهم إلى مُلازَمَةِ أسْبابِهِ في سِياقِ المُخاطَبَةِ لَهُ ﷺ تَذْكِيرًا بِنِعْمَتِهِ وإشارَةً إلى دَوامِ نُصْرَتِهِ فَقالَ تَعالى عاطِفًا عَلى: ﴿إذْ أنْتُمْ﴾ [الأنفال: ٢٦] ﴿وإذْ يَمْكُرُ بِكَ﴾ أيْ: يُدَبِّرُ في أذاكَ عَلى وجْهِ السَّتْرِ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ: أوْجَدُوا هَذا الوَصْفَ، وفِيهِمْ مَن لَمْ يَكُنْ راسِخَ القَدَمِ فِيهِ؛ ثُمَّ بَيَّنَ غايَةَ مَكْرِهِمْ فَقالَ: ﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ أيْ: لِيَمْنَعُوكَ مِنَ التَّصَرُّفِ بِالحَبْسِ في بَيْتٍ يَسُدُّونَ عَلَيْكَ بابَهُ - كَما هو واضِحٌ مِن قِصَّةِ مُشاوَرَتِهِمْ في دارِ النَّدْوَةِ في أمْرِهِ ﷺ في السِّيَرِ، ومَن قَرَأها بِالمُوَحَّدَةِ ثُمَّ التَّحْتانِيَّةِ مِنَ البَياتِ الَّذِي مَعْناهُ إهْلاكُ العَدُوِّ لَيْلًا، فَعَطَفَ: ﴿أوْ يَقْتُلُوكَ﴾ عِنْدَهُ بِمَعْنى القَتْلِ نَهارًا جِهارًا، وكَأنَّهُ عَدَّ البَياتَ لِلِاسْتِخْفاءِ بِهِ عَدَمًا بِالنِّسْبَةِ إلى المُجاهَرَةِ ﴿أوْ يُخْرِجُوكَ﴾ أيْ: مِن مَكَّةَ ﴿ويَمْكُرُونَ﴾ أيْ: والحالُ أنَّهم يَمْكُرُونَ بِإخْفاءِ ما يُرِيدُونَ بِكَ مِن ذَلِكَ وغَيْرِهِ مِنَ الكَيْدِ ﴿ويَمْكُرُ اللَّهُ﴾ أيْ: يَفْعَلُ المُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا في أمْرِهِمْ فِعْلَ مَن يَمْكُرُ بِإخْفاءِ (p-٢٦٨)ما يُقابِلُهم بِهِ ﴿واللَّهُ خَيْرُ الماكِرِينَ﴾ لِأنَّهُ لا يُمْكِنُ أحَدًا عِلْمُ ما يُرِيدُ إخْفاءَهُ لِأنَّهُ المَلِكُ الأعْلى المُحِيطُ بِالجَلالِ والجَمالِ، فالنّافِذُ إنَّما هو مَكْرُهُ، والعالِي إنَّما هو نَصْرُهُ، فَكَأنَّهُ تَعالى يَقُولُ: انْظُرُوا إلى مِصْداقِ ما وعَدُتُكم بِهِ في أحْوالِ نَبِيِّي ﷺ فَإنَّهُ كانَ وحْدَهُ وجَمِيعُ النّاسِ يُخالِفُونَهُ فَثَبَتَ عَلى أداءِ الرِّسالَةِ إلَيْهِمْ وإبْلاغِ النَّصِيحَةِ لَهم عَلى ما يَصِلُهُ مِنهم مَنِ الأذى ولا يَزِيدُهُ أذاهم لَهُ إلّا اجْتِهادًا في أداءِ ما يَنْفَعُهم إلَيْهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب