الباحث القرآني

ولَمّا كانَتْ قِصَّةُ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَعَ القِبْطِ أشْبَهَ شَيْءٍ بِالقِيامَةِ لِما حَصَلَ فِيها مِنَ التَّقَلُّباتِ والتَّغَيُّراتِ وإيجادِ المَعْدُوماتِ مِنَ الجَرادِ والقَمْلِ والضَّفادِعِ عَلى تِلْكَ الهَيْئاتِ الخارِجَةِ عَنِ العاداتِ في أسْرَعِ وقْتٍ. وقَهْرُ الجَبابِرَةِ والمَنُّ عَلى الضُّعَفاءِ حَتّى كانَ آخِرَ ذَلِكَ أنْ (p-٢٢٨)حَشَرَ بَنِي إسْرائِيلَ فَنَشَّطَهم مِنَ القِبْطِ نَشْطًا رَقِيقًا كُلُّهم وجَمِيعُ ما لَهم مَعَ دَوابِّهِمْ [ إلى رَبِّهِمْ - ] وحَشَرَ جَمِيعَ القِبْطِ وراءَهم فَنَزَعَهم نَزْعًا كُلُّهم بِحَشْرِ فِرْعَوْنَ لَهم بِأصْواتِ المُنادِينَ عَنْهُ في أسْرَعِ وقْتٍ وأيْسَرِ أمْرٍ إلى هَلاكِهِمْ كَما يَحْشُرُ الأمْواتَ بَعْدَ إحْيائِهِمْ بِالصَّيْحَةِ إلى السّاهِرَةِ، ثُمَّ كانَتِ العاقِبَةُ في الطّائِفَتَيْنِ بِما لِلْمُدَبِّراتِ أمْرًا أنْ نَجا بَنُو إسْرائِيلَ بِالبَحْرِ كَما يَنْجُو يَوْمَ البَعْثِ المُؤْمِنُونَ بِالصِّراطِ، وهَلَكَ فِرْعَوْنُ وآلُهُ بِهِ كَما يَتَساقَطُ الكافِرُونَ بِالصِّراطِ، وذَلِكَ أنَّهُ رَأى فِرْعَوْنَ وجُنُودَهُ البَحْرَ قَدِ انْفَلَقَ لِبَنِي إسْرائِيلَ فَلَمْ يَعْتَبِرُوا بِذَلِكَ ثُمَّ دَخَلُوا فِيهِ وراءَهُمْ، ولَمْ يُجَوِّزُوا أنَّ الَّذِي حَسَرَهُ عَنْ مَكانِهِ قادِرٌ عَلى أنْ يُعِيدَهُ كَما ابْتَدَأهُ فَيُغْرِقُهم واسْتَمَرُّوا في عَماهم حَتّى رَدَّهُ اللَّهُ فَأغْرَقَهم بِهِ كَما أنَّ مَن يُكَذِّبُ بِالقِيامَةِ رَأى بَدْءَ اللَّهِ لَهُ [و -] لِغَيْرِهِ وإفْناءَهُ بَعْدَ إبْدائِهِ ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يُجِزْ أنْ يُعِيدَهُ كَما بَدَأهُ أوَّلَ مَرَّةٍ، وصَلَ بِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى جَوابًا لِمَن يَقُولُ: هَلْ لِذَلِكَ مِن دَلِيلٍ؟ مُخاطِبًا لِأشْرَفِ الخَلْقِ إشارَةً إلى أنَّهُ لا يَعْتَبِرُ هَذا حَقَّ اعْتِبارِهِ إلّا أنْتَ، مُسْتَفْهِمًا عَنِ الإتْيانِ لِلتَّنْبِيهِ والحَثِّ عَلى جَمْعِ النَّفْسِ (p-٢٢٩)عَلى التَّأمُّلِ والتَّدَبُّرِ والِاعْتِبارِ مُقَرِّرًا ومُسَلِّيًا لَهُ ﷺ ومُهَدِّدًا لِلْمُكَذِّبِينَ أنْ يَكُونَ حالُهم - وهم أضْعَفُ أهْلِ الأرْضِ لِأنَّهُ لا مَلِكَ لَهم – كَحالِ فِرْعَوْنَ في هَذا، وقَدْ كانَ أقْوى أهْلِ الأرْضِ بِما كانَ لَهُ مِنَ المَلِكِ وكَثْرَةِ الجُنُودِ وقُوَّتِهِمْ وسِحْرِهِمْ ومَرُودِهِمْ في خِداعِهِمْ ومَكْرِهِمْ ورَأى مِنَ الآياتِ ما لَمْ يَرَهُ أحَدٌ قَبْلَهُ، فَلَمّا أصَرَّ عَلى التَّكْذِيبِ ولَمْ يَرْجِعْ ولا أفادَهُ التَّأْدِيبُ أغْرَقَهُ اللَّهُ وآلَهُ فَلَمْ يُبْقِ مِنهم أحَدًا وقَدْ كانُوا لا يُحْصَوْنَ عَدَدًا بِحَيْثُ إنَّهُ قِيلَ: إنَّ طَلِيعَتَهُ كانَتْ عَلى عَدَدِ بَنِي إسْرائِيلَ سِتُّمِائَةِ ألْفٍ: ﴿هَلْ أتاكَ﴾ أيْ يا أعْلَمَ الخَلْقِ ﴿حَدِيثُ مُوسى﴾ أيْ ما كانَ مِن أمْرِهِ الَّذِي جَدَّدْناهُ لَهُ حِينَ أرَدْناهُ فَيَكُونُ كافِيًا لَكَ في التَّسْلِيَةِ ولِقَوْمِكَ في الحَثِّ عَلى التَّصْدِيقِ والتَّنْبِيهِ عَلى الِاعْتِبارِ والتَّهْدِيدِ عَلى التَّكْذِيبِ والإصْرارِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب