الباحث القرآني

﴿الَّذِي هُمْ﴾ أيْ بِضَمائِرِهِمْ مَعَ ادِّعائِهِمْ أنَّها أقْوَمُ الضَّمائِرِ ﴿فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ أيْ شَدِيدُ اخْتِلافِهِمْ وثَباتِهِمْ فَبَعْضُهم صَدَّقَ وبَعْضُهم كَذَّبَ، والمُكَذِّبُونَ بَعْضُهم شَكَّ وبَعْضُهم جَزَمَ وقالَ بَعْضُهُمْ: شاعِرٌ، وبَعْضُهُمْ: ساحِرٌ - إلى غَيْرِ ذَلِكَ [مِنَ الأباطِيلِ-]، وذَلِكَ الأمْرُ هو أمْرُ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي أهُمُّهُ البَعْثُ بَعْدَ المَوْتِ اشْتَدَّ التِباسُهُ عَلَيْهِمْ وكَثُرَتْ مُراجَعَتُهم فِيهِ ومُساءَلَتُهم عَنْهُ مَعَ عِظَمِهِ وعِظَمِ ظُهُورِهِ، والعَظِيمُ لا يَنْبَغِي الِاخْتِلافُ (p-١٩٢)فِيهِ بِوَجْهٍ، فَإنَّ ذا المُرُوءَةِ لا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَدْخُلَ في أمْرٍ إلّا وهو عَلى بَصِيرَةٍ فَكَيْفَ بِهِ إذا كانَ عَظِيمًا فَكَيْفَ بِهِ إذا تَناهى عِظَمُهُ فَكَيْفَ بِهِ إذا كانَ أهَمَّ ما يُهِمُّهُ فَإنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أنْ يَبْحَثَ عَنْهُ غايَةَ البَحْثِ ويَطْلُبَ فِيهِ الأدِلَّةَ ويَفْحَصَ عَنِ البَراهِينِ ويَسْتَوْضِحَ الحُجَجَ حَتّى يَصِيرَ مَن أمْرِهِ بَعْدَ عِلْمِ اليَقِينِ إلى عَيْنِ اليَقِينِ مِن حِينِ يَبْلُغُ مَبْلَغَ الرِّجالِ إلى أنْ يَمُوتَ فَكَيْفَ إذا كانَ بِحَيْثُ تُتْلى عَلَيْهِمُ الأدِلَّةُ وتُجْلى لَدَيْهِ قَواطِعُ الحُجَجِ وتَجْلِبُ إلَيْهِ البَيِّناتُ وهو يُكابِرُ فِيهِ ويُمارِي، ويُعانِدُ ويُدارِي. قالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: سُورَةُ النَّبَأِ أمّا مُطْلَقُها فَمُرَتَّبٌ عَلى تَساؤُلٍ واسْتِفْهامٍ وقَعَ مِنهم وكَأنَّهُ وارِدٌ هُنا في مَعْرِضِ العُدُولِ والِالتِفاتِ، وأمّا قَوْلُهُ: ﴿كَلا سَيَعْلَمُونَ﴾ [النبإ: ٤] ﴿ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ﴾ [النبإ: ٥] فَمُناسِبٌ لِلْوَعِيدِ المُتَكَرِّرِ في قَوْلِهِ: ”ويْل يَوْمئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ“ وكَأنَّ قَدْ قِيلَ: سَيَعْلَمُونَ عاقِبَةَ تَكْذِيبِهِمْ، ثُمَّ أوْرَدَ تَعالى مِن جَمِيلِ صُنْعِهِ وما إذا اعْتَبَرَهُ المُعْتَبِرُ عَلِمَ أنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ شَيْءٌ مِنهُ عَبَثًا بَلْ يُعْتَبَرُ بِهِ ويُسْتَوْضِحُ وجْهَ الحِكْمَةِ فِيهِ، فَعَلِمَ أنَّهُ لا بُدَّ مِن وقْتٍ يَنْكَشِفُ فِيهِ الغِطاءُ ويُجازِي الخَلائِقَ عَلى نِسْبَةٍ مِن أحْوالِهِمْ في الِاعْتِبارِ والتَّدَبُّرِ والخُضُوعِ لِمَن نَصَبَ مَجْمُوعَ (p-١٩٣)تِلْكَ الدَّلائِلِ، ويَسْتَشْعِرُ مِن تَكْرارِ الفُصُولِ وتَجَدُّدِ الحالاتِ وإحْياءِ الأرْضِ بَعْدَ مَوْتِها، جَرى ذَلِكَ في البَعْثِ واطِّرادِ الحُكْمِ، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتى﴾ [الأعراف: ٥٧] وقالَ تَعالى مُنَبِّهًا عَلى ما ذَكَرْناهُ ﴿ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهادًا﴾ [النبإ: ٦] إلى قَوْلِهِ: ﴿وجَنّاتٍ ألْفافًا﴾ [النبإ: ١٦] فَهَذِهِ المَصْنُوعاتُ المَقْصُودُ بِها الِاعْتِبارُ كَما قَدَّمَ، ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ يَوْمَ الفَصْلِ كانَ مِيقاتًا﴾ [النبإ: ١٧] أيْ مَوْعِدًا لِجَزائِكم لَوِ اعْتَبَرْتُمْ بِما ذَكَرَ لَكم لَعَلِمْتُمْ مِنهُ وُقُوعَهُ وكَوْنَهُ لِيَقَعَ جَزاؤُكم عَلى ما سَلَفَ مِنكم ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [الطور: ١١] ويَشْهَدُ لِهَذا القَصْدِ مِمّا بَعُدَ مِنَ الآياتِ قَوْلُهُ تَعالى لِما ذَكَرَ ما أعَدَّ لِلطّاغِينَ: ﴿إنَّهم كانُوا لا يَرْجُونَ حِسابًا﴾ [النبإ: ٢٧] ﴿وكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّابًا﴾ [النبإ: ٢٨] ﴿وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْناهُ كِتابًا﴾ [النبإ: ٢٩] ثُمَّ قالَ بَعْدُ: ﴿إنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازًا﴾ [النبإ: ٣١] ﴿حَدائِقَ وأعْنابًا﴾ [النبإ: ٣٢] وقَوْلُهُ بَعْدُ: ﴿ذَلِكَ اليَوْمُ الحَقُّ﴾ [النبإ: ٣٩] وأمّا الحَياةُ الدُّنْيا فَلَعِبٌ ولَهْوٌ وإنَّ الدّارَ الآخِرَةَ لَهي الحَيَوانُ، وقَوْلُهُ بَعْدُ: ﴿يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ ويَقُولُ الكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا﴾ [النبإ: ٤٠] انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب