الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مَن خافَ شَيْئًا سَعى في الأمْنِ مِنهُ بِكُلِّ ما عَساهُ يَنْفَعُ [فِيهِ-]، وكانَ قَدْ ذَكَّرَ تَذَرُّعَهم بِالواجِبِ، أتْبَعَهُ المَندُوبَ دَلالَةً عَلى أنَّهم لا رُكُونَ لَهم إلى الدُّنْيا ولا وُثُوقَ بِها، فَقَدْ جَمَعُوا إلى كَرَمِ الطَّبْعِ بِالوَفاءِ ورِقَّةِ القَلْبِ شَرَفَ النَّفْسِ بِالِانْسِلاخِ مِنَ الفانِي فَقالَ: ﴿ويُطْعِمُونَ الطَّعامَ﴾ أيْ عَلى حَسَبِ ما يَتَيَسَّرُ لَهم مِن عالٍ ودُونٍ عَلى الدَّوامِ. ولَمّا كانَ الإنْسانُ قَدْ يَسْمَحُ بِما لا يَلَذُّ لَهُ قالَ: ﴿عَلى حُبِّهِ﴾ أيْ حُبِّهِ إيّاهُ حُبًّا هو في غايَةِ المُكْنَةِ مِنهم والِاسْتِعْلاءِ عَلى قُلُوبِهِمْ لِقِلَّتِهِ وشَهْوَتِهِمْ [لَهُ -] وحاجَتِهِمْ إلَيْهِ كَما قالَ تَعالى: ﴿لَنْ تَنالُوا البِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] لِيَفْهَمَ أنَّهم لِلْفَضْلِ أشَدُّ بَذْلًا، ولِهَذا قالَ ﷺ: «لَوْ أنْفَقَ أحَدُكم مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ أيِ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - ولا نَصِيفَهُ» لِقِلَّةِ المَوْجُودِ إذْ ذاكَ وكَثْرَتِهِ (p-١٣٩)بَعْدَ ﴿مِسْكِينًا﴾ أيْ مُحْتاجًا احْتِياجًا يَسِيرًا، فَصاحِبُ الِاحْتِياجِ الكَثِيرِ أوْلى ﴿ويَتِيمًا﴾ أيْ صَغِيرًا لا أبَ لَهُ ذَكَرًا كانَ أوْ أُنْثى ﴿وأسِيرًا﴾ أيْ في أيْدِي الكُفّارِ أيْ أعَمُّ مِن ذَلِكَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ المَمْلُوكُ والمَسْجُونُ والكافِرُ الَّذِي في أيْدِي المُسْلِمِينَ، وقَدْ نَقَلَ في غَزْوَةِ بَدْرٍ أنَّ بَعْضَ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم كانَ يُؤْثِرُ أسِيرَهُ عَلى نَفْسِهِ بِالخُبْزِ، وكانَ الخُبْزُ إذْ ذاكَ عَزِيزًا حَتّى كانَ [ذَلِكَ -] الأسِيرُ يَعْجَبُ مِن مَكارِمِهِمْ حَتّى كانَ ذَلِكَ مِمّا دَعاهُ إلى الإسْلامِ، وذَلِكَ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ لِما دَفَعَهم إلَيْهِمْ قالَ: «اسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا» . ومِن حُكْمٍ الأسِيرِ الحَقِيقِيِّ كُلُّ مَضْرُورٍ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ والحالُ أنَّهم يَقُولُونَ بِلِسانِ الحالِ أوِ القالِ إنِ احْتِيجَ إلَيْهِ إزاحَةً لِتَوَهُّمِ المَنِّ أوْ تَوَقُّعِ المُكافَأةِ مُؤَكِّدِينَ إشارَةً إلى أنَّ الإخْلاصَ أمْرٌ عَزِيزٌ لا يَكادُ أحَدٌ يُصَدِّقُ أنَّهُ يَتَأتّى لِأحَدٍ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب