الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ أنَّهُ بَيَّنَ لِلنّاسِ السَّبِيلَ فانْقَسَمُوا إلى مُبْصِرٍ شاكِرٍ وأعْمى (p-١٥٢)كافِرٍ، وأتْبَعَهُ جَزاءَ الكافِرِينَ والشّاكِرِينَ، وخَتَمَهُ بِالشَّرابِ الطَّهُورِ الَّذِي مِن شَأْنِهِ أنْ يُحْيِيَ مَيِّتَ الأراضِي كَما أنَّ العِلْمَ الَّذِي مَنبَعُهُ القُرْآنُ يُحْيِي مَيِّتَ القُلُوبِ، وسَكَنَ القُلُوبَ بِتَأْيِيدِ الجَزاءِ، وخَتَمَ الكَلامَ بِالشُّكْرِ كَما بَدَأهُ بِهِ، وكانَ نُصْبَ ما يَهْدِي جَمِيعَ النّاسِ أمْرًا لا يَكادُ يُصَدَّقُ قالَ ذاكِرًا لِما شَرَّفَ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ في الدُّنْيا قَبْلَ الآخِرَةِ، وجَعَلَ الشَّرابَ الطَّهُورَ جَزاءً [لَهُ -] لِما بَيْنَهُما مِنَ المُناسَبَةِ عَلى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ، وأكَّدَهُ ثانِيًا بِما أفادَ التَّخْصِيصَ لِما لَهم مِنَ الإنْكارِ ولِتَطْمَئِنَّ أنْفُسُ أتْباعِهِ بِما حَثَّ عَلَيْهِ مِنَ الصَّبْرِ إلى وقْتِ الإذْنِ في القِتالِ: ﴿إنّا نَحْنُ﴾ أيْ عَلى ما لَنا مِنَ العَظَمَةِ الَّتِي لا نِهايَةَ لَها، لا غَيْرُها ﴿نَـزَّلْنا عَلَيْكَ﴾ وأنْتَ أعْظَمُ الخَلْقِ إنْزالًا [اسْتَعْلى -] حَتّى صارَ المُنْزَلَ خُلُقًا لَكَ ﴿القُرْآنَ﴾ أيِ الجامِعَ لِكُلِّ هُدًى، الحافِظَ مِنَ الزَّيْغِ، كَما يَحْفَظُ الطِّبُّ لِلصَّحِيحِ صِحَّةَ المِزاجِ، الشّافِي لِما عَساهُ يَحْصُلُ مِنَ الأدْواءِ بِما يَهْدِي إلَيْهِ مِنَ العِلْمِ والعَمَلِ، وزادَ في التَّأْكِيدِ لِعَظِيمِ إنْكارِهِمْ فَقالَ: ﴿تَنْـزِيلا﴾ أيْ عَلى التَّدْرِيجِ بِالحِكْمَةِ جَوابًا لِلسّائِلِ ورِفْقًا بِالعِبادِ فَدَرَجَهم في وظائِفِ الدِّينِ تَدْرِيجًا مُوافِقًا لِلْحِكْمَةِ، ولَمْ يَدَعْ لَهم شُبْهَةً إلّا أجابَ عَنْها، وعَلَّمَهم جَمِيعَ الأحْكامِ الَّتِي فِيها رِضانا، وأتاهم مِنَ المَواعِظِ والآدابِ والمَعارِفِ (p-١٥٣)بِما مَلَأ الخافِقِينَ وخَصَصْناكَ بِهِ شُكْرًا عَلى سِيرَتِكَ الحُسْنى الَّتِي كانَتْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وتُجَنِّبِكَ كُلَّ ما يُدَنِّسُ، فَلَمّا كانَ بِتَنْزِيلِنا كانَ جامِعًا لِلْهُدى لِما لَنا مِن إحاطَةِ العِلْمِ والقُدْرَةِ، فَلا عَجَبَ في كَوْنِهِ جامِعًا لِهُدى الخَلْقِ كُلِّهِمْ، لَمْ يَدْعُ لَهم في شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ لَبْسًا، وهي ناظِرَةٌ إلى قَوْلِهِ في القِيامَةِ ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ﴾ [القيامة: ١٦] المُلْتَفِتَةَ إلى ما في المُدَّثِرِ مِن أنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةُ، النّاظِرَةِ إلى ﴿إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا﴾ [المزمل: ٥] المُشِيرَةِ إلى ما في سُورَةِ الجِنِّ مِن [أمٍرِ -] القُرْآنِ، فالحاصِلُ أنَّ أكْثَرَ القُرْآنِ في تَقْرِيرِ عَظَمَةِ القُرْآنِ، فَإنَّهُ المَقْصُودُ بِالذّاتِ مِن أمْرِ الآيَةِ الكُبْرى الَّتِي إذا ثَبَتَتْ تَبِعَها جَمِيعُ المُرادِ مِنَ الشَّرِيعَةِ وتَفْرِيقِ تَقْرِيرِ شَأْنِهِ أتْقَنُ ما يَكُونُ في إحْكامِ أمْرِهِ، وذَلِكَ أنَّ الحَكِيمَ إذا اهْتَمَّ بِشَيْءٍ افْتَتَحَ الكَلامَ بِهِ، فَإذا رَأى مَن يُنْكِرُهُ انْتَقَلَ إلى غَيْرِهِ عَلى قانُونِ الحِكْمَةِ، ثُمَّ يَصِيرُ يَرْمِي [بِهِ -] في خِلالِ ذَلِكَ، رَمْيًا كَأنَّهُ غَيْرُ قاصِدٍ لَهُ، ولا يَزالُ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتّى يَتَقَرَّرَ أمْرُهُ غايَةَ التَّقْرِيرِ ويَثْبُتَ في النَّفْسِ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب