الباحث القرآني

ولَمّا كانَ الإنْذارُ يَتَضَمَّنُ مُواجَهَةَ النّاسِ بِما يَكْرَهُونَ، وذَلِكَ عَظِيمٌ عَلى الإنْسانِ، وكانَ المُفْتِرُ عَنِ اتِّباعِ الدّاعِي أحَدُ أمْرَيْنِ: تَرْكُهُ مِمّا يُؤْمَرُ بِهِ، وطَلَبُهُ عَلَيْهِ الأجْرَ، كَما أنَّ المُوجِبَ لِاتِّباعِهِ عَمَلُهُ بِما دَعا إلَيْهِ، وبُعْدُهُ عَنْ أخْذِ الأجْرِ عَلَيْهِ، أمْرُهُ بِتَعْظِيمِ مَن أرْسَلَهُ سُبْحانَهُ فَإنَّهُ إذا عَظَّمَ حُقَّ تَعْظِيمِهِ صَغُرَ كُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ، فَهانَ عَلَيْهِ الدُّعاءُ وكانَ لَهُ مُعِينًا عَلى القَبُولِ فَقالَ: ﴿ورَبَّكَ﴾ أيِ المُرَبِّي لَكَ خاصَّةً ﴿فَكَبِّرْ﴾ أيْ وقُمْ فَتَسَبَّبَ عَنْ قِيامِكَ بِغايَةِ الجِدِّ والِاجْتِهادِ أنْ تَصِفَهُ وحْدَهُ بِالكِبْرِياءِ قَوْلًا واعْتِقادًا عَلى كُلِّ حالٍ، وذَلِكَ تَنْزِيهُهُ عَنِ الشِّرْكِ أوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، وكَذا عَنْ كُلِّ ما لا يَلِيقُ بِهِ مِن وصْلٍ وفَصْلٍ، ومِن سُؤالِ غَيْرِهِ، والِاشْتِغالِ بِسِواهُ. [و - ] قالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: مُلاءَمَتُها لِسُورَةِ المُزَّمِّلِ واضِحَةٌ، واسْتِفْتاحُ السُّورَتَيْنِ مِن نَمَطٍ واحِدٍ، وما ابْتُدِئَتْ بِهِ كُلُّ واحِدَةٍ مِنهُما مِن جَلِيلِ خِطابِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وعَظِيمِ تَكْرِيمِهِ ﴿يا أيُّها المُزَّمِّلُ﴾ [المزمل: ١] ﴿يا أيُّها المُدَّثِّرُ﴾ [المدثر: ١] والأمْرُ فِيهِما بِما يَخُصُّهُ ﴿قُمِ اللَّيْلَ إلا قَلِيلا﴾ [المزمل: ٢] ﴿نِصْفَهُ﴾ [المزمل: ٣] الآيِ، وفي الأُخْرى ﴿قُمْ فَأنْذِرْ﴾ [المدثر: ٢] (p-٤٣)﴿ورَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ أتْبَعَتْ في الأوْلى بِقَوْلِهِ: ﴿واصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ﴾ [المزمل: ١٠] وفي الثّانِيَةِ بِقَوْلِهِ ﴿ولِرَبِّكَ فاصْبِرْ﴾ [المدثر: ٧] وكُلُّ ذَلِكَ قَصْدٌ واحِدٌ، واتَّبَعَ أمْرَهُ بِالصَّبْرِ في الزَّمْلِ بِتَهْدِيدِ الكُفّارِ ووَعِيدِهِمْ ﴿وذَرْنِي والمُكَذِّبِينَ﴾ [المزمل: ١١] الآياتُ، وكَذَلِكَ في الأُخْرى ﴿ذَرْنِي ومَن خَلَقْتُ وحِيدًا﴾ [المدثر: ١١] الآياتُ، فالسُّورَتانِ وارِدَتانِ في مَعْرِضٍ واحِدٍ وقَصْدٍ مُتَّحِدٍ - انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب