ولَمّا كانَ ما مَضى مِن هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الأحْكامِ والتَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ مُرْشِدًا إلى مَعالِي الأخْلاقِ مُنْقِذًا مِن كُلِّ سُوءٍ، قالَ مُسْتَأْنِفًا مُؤَكِّدًا تَنْبِيهًا عَلى عِظَمِها وأنَّها مِمّا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ: ﴿إنَّ هَذِهِ﴾ أيِ القِطْعَةَ المُتَقَدِّمَةَ مِن هَذِهِ السُّورَةِ ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ أيْ تَذْكِيرٌ عَظِيمٌ هو أهْلٌ لِأنْ يَتَّعِظَ بِهِ المُتَّعِظُ ويَعْتَبِرَ بِهِ المُعْتَبِرُ، ولا سِيَّما ما ذَكَّرَ فِيها بِأهْلِ الكُفْرِ مِن أنْواعِ العِقابِ. ولَمّا كانَ سُبْحانَهُ قَدْ جَعَلَ لِلْإنْسانِ عَقْلًا يُدْرِكُ بِهِ الحَسَنَ والقَبِيحَ، واخْتِيارًا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ اتِّباعِ ما يُرِيدُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مانِعٌ مِن جِهَةِ اخْتِيارِ الأصْلَحِ والأحْسَنِ إلّا قَسْرُ المَشِيئَةِ الَّتِي لا اطِّلاعَ لَهُ عَلَيْها ولا حِيلَةَ [لَهُ -] فِيها، سَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَمَن شاءَ﴾ أيِ التَّذَكُّرَ لِلِاتِّعاظِ ﴿اتَّخَذَ﴾ أيْ أخَذَ بِغايَةِ جُهْدِهِ ﴿إلى رَبِّهِ﴾ أيْ خاصَّةً، لا إلى غَيْرِهِ ﴿سَبِيلا﴾ أيْ طَرِيقًا يَسْلُبُهُ حُظُوظَهُ لِكَوْنِهِ لا لَبْسَ فِيهِ، فَيَسَلَكُ عَلى وفْقِ ما جاءَهُ مِنَ التَّذْكِرَةِ، وذَلِكَ الِاعْتِصامُ حالَ السَّيْرِ بِالكِتابِ والسُّنَّةِ عَلى وفْقِ ما اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ، ومَتى زاغَ عَنْ ذَلِكَ هَلَكَ.
{"ayah":"إِنَّ هَـٰذِهِۦ تَذۡكِرَةࣱۖ فَمَن شَاۤءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِیلًا"}