الباحث القرآني

ولَمّا عَلِمَ بِهَذا أنَّهُ سُبْحانَهُ شَدِيدَ الأخْذِ، وأنَّهُ لا يُغْنِي ذا الجِدِّ مِنهُ الجِدُّ، سَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ مُحَذِّرًا لَهُمُ الِاقْتِداءَ بِفِرْعَوْنَ: (p-٢٦)﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ﴾ أيْ تُوجِدُونَ الوِقايَةَ الَّتِي تَقِي أنْفُسَكُمْ، و[لَمّا -] كانَ التَّنْفِيرُ مِن سَبَبِ التَّهْدِيدِ أهَمَّ لِأنَّهُ أدَلُّ عَلى رَحْمَةِ المُحَذِّرِ وأبْعَثُ عَلى اجْتِنابِهِ، قالَ مُشِيرًا بِأداةِ الشَّكِّ إلى أنَّ كَفْرَهم بِاللَّهِ مَعَ ما نَصَبَ لَهم مِنَ الأدِلَّةِ العَقْلِيَّةِ المُؤَيِّدَةِ بِالنَّقْلِيَّةِ يَنْبَغِي أنْ لا يُوجَدُ بِوَجْهٍ، وإنَّما يُذْكَرُ عَلى سَبِيلِ الفَرْضِ والتَّقْدِيرِ: ﴿إنْ كَفَرْتُمْ﴾ أيْ أوْقَعْتُمُ السِّتْرَ لِما غُرِسَ في فِطَرِكم مِن أنْوارِ الدَّلائِلِ القائِدَةِ إلى الإيمانِ فَبَقِيتُمْ عَلى كُفْرِكم - عَلى أنَّ العِبارَةَ مُشِيرَةٌ إلى أنَّهُ عَفا عَنْهُمُ الكُفْرَ الماضِي فَلا يَعُدُّهُ عَلَيْهِمْ رَحْمَةً مِنهُ وكَرَمًا ولا يُعَدُّ عَلَيْهِمْ إلّا ما أوْقَعُوهُ بَعْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ ﷺ ﴿يَوْمًا﴾ [أيْ -] هو مَثَلٌ في الشِّدَّةِ بِحَيْثُ [إنَّهُ -] يُقالُ فِيهِ ﴿يَجْعَلُ﴾ لِشِدَّةِ أهْوالِهِ وزِلْزالِهِ وأوْجالِهِ ﴿الوِلْدانَ﴾ أيْ عِنْدَ الوِلادَةِ أوْ بِالقُرْبِ مِنها ﴿شِيبًا﴾ جَمْعُ أشْيَبَ وهو مِنِ ابْيَضَّ شَعْرُهُ، وذَلِكَ كِنايَةٌ أنَّ عَنْ كَثْرَةِ الهُمُومِ فِيهِ لِأنَّ العادَةَ جارِيَةٌ بِأنَّها إذا تَفاقَمَتْ أسْرَعَتْ بِالشَّيْبِ، والمَعْنى إنْكارُ أنْ يَقْدِرُوا عَلى أنْ يَجْعَلُوا لَهم وِقايَةً بِغايَةِ جُهْدِهِمْ تَقِيهِمْ عَذابَ ذَلِكَ اليَوْمِ المَوْصُوفِ بِهَذا الهَوْلِ الأعْظَمِ، وذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ: «يا آدَمُ قُمْ فابْعَثْ بَعْثَ النّارِ مِن كُلِّ ألْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وتِسْعَةٍ وتِسْعِينَ» وأسْنَدَ الجَعْلَ إلى اليَوْمِ لِكَوْنِهِ واقِعًا فِيهِ كَما جَعَلَهُ المُتَّقِي، وإنَّما المُتَّقِي العَذابُ الواقِعُ فِيهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب