الباحث القرآني
ولَمّا عَلِمَ مِن قَوْلِهِمْ أنَّ مُسْتَنَدَ الضَّلالِ ظُنُونٌ وشُبَهٌ مَتى حَكَّتْ عَلى مَحَكِّ النَّظَرِ بانَ فَسادُها، وأظْهَرَ زَيْفَها نُقّادُها، أتْبَعَهُ شُبْهَةً أُخْرى زادَتِ الفَرِيقَيْنِ ضَلالًا بَعْضُهم بِبَعْضٍ لِلتَّقَيُّدِ بِالمَحْسُوساتِ، والوُقُوفِ مَعَ الخَيالاتِ المَوْهُوماتِ، فَقالَ حاكِيًا عَنْهم تَنْبِيهًا عَلى عَدَمِ الِاغْتِرارِ بِالمَدْحِ والإطْراءِ المُوجِبَيْنِ لِلْغَلَطِ في النَّفْسِ وعَلى أنَّهُ يَجِبُ التَّثَبُّتُ (p-٤٧٢)حَتّى لا يَقَعَ الغَلَطُ في الأسْبابِ المُسَخَّرَةِ فَيَظُنُّ أنَّها مُؤَثِّرَةً فَيَتَجاوَزُ بِها الحَدَّ عَنْ رُتْبَةِ المُمَكَّناتِ إلى رُتْبَةِ الواجِبِ، مُؤَكِّدِينَ لِأنَّهُ لا يَكادُ يُصَدِّقُ أنَّ الجِنَّ يُخاطِبُهُمُ الإنْسَ فَيُكارِمُونَهُمْ: ﴿وأنَّهُ﴾ أيِ الشَّأْنُ ﴿كانَ رِجالٌ﴾ أيْ ذَوُو قُوَّةٍ وبَأْسٍ ﴿مِنَ الإنْسِ﴾ أيِ النَّوْعِ الظّاهِرِ في عالَمِ الجِنْسِ ﴿يَعُوذُونَ﴾ أيْ يَلْجَئُونَ ويَعْتَصِمُونَ - خَوْفًا عَلى أنْفُسِهِمْ وما مَعَهم - إذا نَزَلُوا وادِيًا ﴿بِرِجالٍ مِنَ الجِنِّ﴾ أيِ القَبِيلِ المُسْتَتِرِ عَنِ الأبْصارِ فَإنَّهُ كانَ القَوْمُ مِنهم إذا نَزَلُوا وادِيًا أوْ غَيْرَهُ مِنَ القَفْرِ تَعْبَثُ بِهِمُ الجِنُّ في بَعْضِ الأحْيانِ لِأنَّهُ لا مانِعَ لَهم مِنهم مَن ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى ولا دِينٍ صَحِيحٍ، ولا كِتابٍ مِنَ اللَّهِ صَرِيحٍ، فَحَمَلَهم ذَلِكَ عَلى أنْ يَسْتَجِيرُوا بِعُظَمائِهِمْ فَكانَ الرَّجُلُ يَقُولُ عِنْدَ خَوْفِهِ: إنِّي أعُوذُ بِعَظِيمِ هَذا الوادِي مِن شَرِّ سُفَهاءِ قَوْمِهِ أوْ نَحْوِ هَذا فَلا يَرى إلّا خَيْرًا، ورُبَّما هَدَوْهُ إلى الطَّرِيقِ ورَدُّوا عَلَيْهِ ضالَّتَهُ، فَكانَ ذَلِكَ فِتْنَةً لِلْإنْسِ بِاعْتِقادِهِمْ في الجِنِّ غَيْرَ ما هم عَلَيْهِ، فَتَبِعُوهم في الضَّلالِ، وفِتْنَةُ الجِنِّ بِأنْ يَغْتَرُّوا بِأنْفُسِهِمْ ويَقُولُوا سَدَّنا: الجِنُّ والإنْسُ، فَيَضِلُّوا ويَضِلُّوا، ولِذَلِكَ سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلُهُ: ﴿فَزادُوهُمْ﴾ أيِ الإنْسِ الجِنِّ (p-٤٧٣)بِاسْتِعاذَتِهِمْ هَذِهِ المُرَتَّبِ عَلَيْها إعاذَتُهُمْ، والجِنُّ الإنْسُ بِتَرْئِيسِ الإنْسِ لَهم وخَوْفِهِمْ مِنهم ﴿رَهَقًا﴾ أيْ ضِيقًا وشِدَّةً وغَشَيانًا لِما هم فِيهِ مِن أحْوالِ الضَّلالِ الَّتِي يَلْزَمُ مِنهُمُ الضِّيقَ والشِّدَّةَ، وأصْلُ الرَّهَقِ غَشِيانٌ بِقُوَّةٍ وشِدَّةٍ وقَهْرٍ، وقالَ البَغَوِيُّ: والرَّهَقُ في كَلامِ العَرَبِ الإثْمُ وغَشَيانُ المَحارِمِ.
كَما يَتَّفِقُ لِمَن يَسَلُكُ مِن أهْلِ التَّصَوُّفِ عَلى غَيْرِ أصْلٍ فَيَرى في أثْناءِ السَّيْرِ أنْوارًا وأشْياءَ تُعْجِبُهُ شَيْطانِيَّةً فَيَظُنَّها رَحْمانِيَّةً، فَيَقِفُ عِنْدَها ويَأْنَسُ بِها لِفَسادٍ في أصْلِ جِبِلَّتِهِ نَشَأ عَنْهُ سُوءُ مَقْصِدِهِ، فَرُبَّما كانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكُفْرِهِ فَيَزْدادُ هو وأمْثالُهُ مِنَ الإنْسِ ضَلالًا ويَزْدادُ مَن أضَلَّهُ مِنَ الجِنِّ ضَلالًا [ وإضْلالًا -] وعُتُوًّا، ويَزْدادُ الفَرِيقانِ بُعْدًا عَنِ اللَّجَأِ إلى اللَّهِ وحْدَهُ، ولَقَدْ أغْنانا اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى بِالقُرْآنِ والذِّكْرِ المَأْخُوذِ عَنْ خَيْرِ خَلْقِهِ بِشَرْطِهِ في أوْقاتِهِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ كَما أخْبَرَ ﷺ أنَّ مَن قالَ عِنْدَ إتْيانِهِ الخَلاءَ ”بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ والخَبائِثِ“ سَتَرَ عَنِ الجِنِّ، وأنَّ مَن قالَ إذا أتى امْرَأتَهُ ”اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطانَ وجِنِّبِ الشَّيْطانَ ما رَزَقَتَنِي“ فَأتاهُ ولَدٌ لَمْ يَقْدِرِ الشَّيْطانُ أنْ يَضُرَّهُ، ومِن أذِنَ أمَّنْ تَغَوَّلَ الغِيلانَ، ورَوى (p-٤٧٤)التِّرْمِذِيُّ وأحْمَدُ - قالَ المُنْذِرِيُّ: ورُواتُهُ [ رُواةُ -] الصَّحِيحِ - عَنْ شَدّادِ بْنِ أوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «ما مِن مُسْلِمٍ يَأْخُذُ مَضْجَعَهُ فَيَقْرَأُ سُورَةً مِن كِتابِ اللَّهِ تَعالى إلّا وكَّلَ اللَّهُ تَعالى بِهِ مَلَكًا فَلا يَقْرَبُهُ شَيْءٌ يُؤْذِيهِ حَتّى يَهَبَ مَتى وهَبَ» ولِلطَّبَرانِيِّ في الكَبِيرِ - قالَ المُنْذِرِيُّ: ورُواتُهُ رُواةُ الصَّحِيحِ إلّا المُسَيِّبُ بْنُ واضِحٍ، قالَ الهَيْثَمِيُّ: وهو ضَعِيفٌ وقَدْ وثِقَ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: ”خَرَجْتُ مِن حِمْصَ فَآوانِي اللَّيْلُ إلى البَقِيعَةِ فَحَضَرَنِي مِن أهْلِ الأرْضِ فَقَرَأْتُ هَذِهِ الآيَةَ مِنَ الأعْرافِ
﴿إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ﴾ [الأعراف: ٥٤] إلى آخِرِ الآيَةِ، فَقالَ بَعْضُهم [ لِبَعْضٍ-]: احْرُسُوهُ الآنَ حَتّى يُصْبِحَ، فَلَمّا أصْبَحْتُ رَكِبْتُ دابَّتِي“ والأحادِيثُ في هَذا كَثِيرَةٌ في آيَةِ الكُرْسِيِّ وغَيْرِها، وكَذا حِكاياتُ مَنِ اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الجِنِّ فَلَمّا قَرَأ ذَهَبَ عَنْهُ.
{"ayah":"وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالࣱ مِّنَ ٱلۡإِنسِ یَعُوذُونَ بِرِجَالࣲ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق