الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرُوا ما هَدَوْا إلَيْهِ مِنَ الحَقِّ في اللَّهِ وفِيمَن كانَ يَحْمِلُهم عَلى الباطِلِ، ذَكَرُوا عُذْرَهم في اتِّباعِهِمْ لِلسَّفِيهِ وفي وُقُوعِهِمْ [ في -] مَواقِعِ التُّهَمِ، فَقالُوا مُؤَكِّدِينَ لِأنَّ ما كانُوا عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ جَدِيرٌ بِأنْ يَظُنَّ أنَّهُ لا يَخْفى عَلى أحَدٍ لِشِدَّةِ وُضُوحِ بُطْلانِهِ: ﴿وأنّا﴾ أيْ مَعْشَرِ المُسْلِمِينَ مِنَ الجِنِّ ﴿ظَنَنّا﴾ أيْ بِما لَنا مِن سَلامَةِ الفِطَرِ المُقْتَضِيَةِ لِتَحْسِينِ الظَّنِّ بِشَهادَةِ حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ عِنْدَ أحْمَدَ «المُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ والفاجِرُ خَبٌّ لَئِيمٌ» ﴿أنْ﴾ أيْ أنَّهُ، وزادُوا في التَّأْكِيدِ لِما مَضى فَقالُوا: ﴿لَنْ تَقُولَ﴾ وبَدَءُوا بِأفْضَلِ الجِنْسَيْنِ فَقالُوا: ﴿الإنْسُ﴾ وأتْبَعُوهم قُرَناءَهم فَقالُوا: ﴿والجِنُّ﴾ أيْ مُتَخَرِّصِينَ ﴿عَلى اللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْلى الَّذِي بِيَدِهِ النَّفْعُ والضُّرُّ ﴿كَذِبًا﴾ أيْ قَوْلًا هو لِعَراقَتِهِ في مُخالَفَةِ الواقِعِ نَفْسَ الكَذِبِ، وهو في قِراءَةِ [ أبِي -] جَعْفَرٍ بِفَتْحِ القافِ والواوِ المُشَدَّدَةِ المَفْتُوحَةِ مَصْدَرٌ مِن غَيْرِ اللَّفْظِ، وإنَّما ظَنَنّا ذَلِكَ لِما طُبِعَ عَلَيْهِ المَجْبُولُ عَلى الشَّهَواتِ مِن تَصْدِيقِ الأشْكالِ لا سِيَّما إذا كانَ قَوْلُهم جازِمًا وعَظِيمًا لا يُقالُ مِثْلُهُ إلّا بَعْدَ تَثَبُّتٍ لا سِيَّما إذا كانَ عَلى مَلِكِ المُلُوكِ لا سِيَّما إذا كانَ القائِلُ كَثِيرًا لا سِيَّما إذا تَأيَّدُوا بِجِنْسٍ آخَرَ، فَصارُوا لا يُحْصَوْنَ (p-٤٧١)كَثْرَةً، ولا تُطِيقُ العُقُولُ مُخالَفَةَ جَمْعٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلّا بِتَأْيِيدٍ إلَهِيٍّ بِقاطِعٍ نَقْلِيٍّ، والآيَةُ عَلى قِراءَةِ أبِي جَعْفَرٍ مِنَ الِاحْتِباكِ: فِعْلُ التَّقَوُّلِ أوَّلًا دَلِيلٌ عَلى فِعْلِ الكَذِبِ ثانِيًا، ومَصْدَرُ الكَذِبِ ثانِيًا دَلِيلٌ عَلى مَصْدَرِ التَّقَوُّلِ أوَّلًا، وسِرُّهُ [ أنَّ -] التَّقَوُّلَ دالٌّ عَلى التَّعَمُّدِ فَهو أفْحَشُ مَعْنًى والكَذِبُ أفْحَشُ لَفْظًا، وهَذا مُرْشِدٌ إلى أنَّهُ لا يَنْبَغِي التَّقْلِيدُ في شَيْءٍ لِأنَّ الثِّقَةَ بِكُلِّ أحَدٍ عَجْزٌ، وإنَّما يَنْكَشِفُ ذَلِكَ بِالتَّجْرِبَةِ، والتَّقْلِيدِ قَدْ يَجُرُّ إلى الكُفْرِ المُهْلِكِ هَلاكًا أبَدِيًّا، وإلَيْهِ أرْشَدَ النَّبِيُّ ﷺ فِيما أخْرَجَهُ الشَّيْخانِ عَنِ النُّعْمانَ ابْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأنَّ «مَنِ اتَّقى الشُّبَهاتِ اسْتَبْرَأ لَدَيْهِ وعِرْضِهِ» و[ في -] ذَلِكَ غايَةُ الحَثِّ عَلى أنَّ الإنْسانَ لا يُقْدِمُ ولا يُحْجِمُ في أُصُولِ الدِّينِ إلّا بِقاطِعٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب