الباحث القرآني
ولَمّا كانَ لا يَعْلَمُ الغَيْبَ إلّا بِبُرُوزِهِ عَلى عالَمِ الشَّهادَةِ، وكانَ لِأوَّلِ مَن يَطَّلِعُ عَلَيْهِ شَرَفٌ يَنْبَغِي أنْ يَعْرِفَ لَهُ قالَ: ﴿إلا مَنِ ارْتَضى﴾ أيْ عَمِلَ اللَّهُ تَعالى في كَوْنِهِ رَضِيَ عَمَلَ مَن يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ ويَجْتَهِدُ فِيهِ، وبَيَّنَ ”مِن“ بُقُولِهِ: ﴿مِن رَسُولٍ﴾ أيْ مِنَ المَلائِكَةِ ومِنَ النّاسِ فَإنَّهُ يُظْهِرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ المُرْتَضى المَوْصُوفَ (p-٥٠١)لا كُلَّ مُرْتَضًى بِأنْ يُظْهِرَهُ عَلى ما شاءَ مِنهُ لِأنَّ الغَيْبَ جِنْسٌ لا تَحَقُّقَ لَهُ إلّا في ضِمْنِ أفْرادِهِ، فَإذا ظَهَرَ فَرْدٌ مِنهُ فَقَدْ ظَهَرَ فِيهِ الجِنْسُ لِظُهُورِ حِصَّةٍ مِنهُ، وتارَةً يَكُونُ ذَلِكَ الرَّسُولُ مَلَكًا، وتارَةً يَكُونُ بَشَرًا يُكَلِّمُهُ اللَّهُ بِغَيْرِ واسِطَةٍ كَمُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في أيّامِ المُناجاةِ، ومُحَمَّدٌ ﷺ لَيْلَةَ المِعْراجِ في العالَمِ الأعْلى في حَضْرَةِ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى، وإذا ظَهَرَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ غَيْبًا، وأوْصَلَهُ الرَّسُولُ إلى مَن أذِنَ لَهُ في إيصالِهِ لَهُ تارَةً بِالوَحْيِ لِلْأنْبِياءِ وتارَةً بِالنَّفْثِ والإلْهامِ لِلْأوْلِياءِ، وذَلِكَ عِنْدَ تَهَيُّئِ نُفُوسِهِمْ بِسُكُونِ قُواها عَنْ مُنازَعَةِ العَقْلِ بِالشَّهَواتِ والحُظُوظِ كَما يَكُونُ لِلنُّفُوسِ عامَّةً حِينَ سُكُونِ القُوى عَنِ المُنازَعَةِ بِالنَّوْمِ فَتَكُونُ مُتَهَيِّئَةً لِلنَّفْثِ فِيها [ فَمَن -] أعْرَضَ عَنْ جانِبِ الحِسِّ وأقْبَلَ عَلى جَنابِ القُدْسِ فَقَدْ هَيَّأ نَفْسَهُ لَنَفْثِ المَلِكِ في ورَعِهِ بِعِلْمِ ما لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ولَيْسَ أحَدٌ مِنَ النّاسِ إلّا وقَدْ عَلِمَ مِن نَفْسِهِ أنَّهُ إذا أقْبَلَ عَلى شَيْءٍ بِكُلِّيَّتِهِ حَدَّثَ لَهُ فِيهِ أُمُورٌ حَدْسِيَّةٌ إلْهامِيَّةٌ بَغْتَةً مِن غَيْرِ سابِقَةِ فِكْرٍ وطَلَبٍ، وعَلى قَدْرِ التَّهْيِئَةِ يَكُونُ النَّفْثُ مِن قِبَلِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، ورُبَّما كانَ النَّفْثُ شَيْطانِيًّا بِما تَلَقَّتْهُ الشَّياطِينُ مِنَ الِاسْتِراقاتِ مِنَ المَلائِكَةِ إمّا مِن (p-٥٠٢)الأرْضِ بَعْدَ نُزُولِهِمْ أوْ مِنَ السَّماءِ بِالِاسْتِراقِ فِيها - واللَّهُ أعْلَمُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ لِلْأوْلِياءِ مُشافَهَةً [ مِنَ المَلِكِ -] كَما كانَ لِمَرْيَمَ عَلَيْها السَّلامُ مِنَ المَلائِكَةِ، وقالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَنْ بَعْضِهِمْ إنَّهُ لَوْ سَلَّمَ رَدَّ عَلَيْهِ. ولَمّا دَلَّ هَذا السِّياقُ عَلى عِزَّةِ عِلْمِ الغَيْبِ [ و-] كانَتْ عِزَّتُهُ سَبَبًا لِحِراسَةِ مَن يَطَّلِعُ عَلَيْهِ لِيُؤَدِّيَهُ إلى مَن أمَرَ بِهِ [ كَما أمَرَ بِهِ -]، أعْلَمَ سُبْحانَهُ وتَعالى بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُؤَكِّدًا تَمْيِيزًا لَهُ مِن عِلْمِ الكُهّانِ الَّذِي أصْلُهُ مِنَ الجانِّ دالًّا عَلى إجْلالِ الرُّسُلِ وإعْظامِهِمْ وتَبْجِيلِهِمْ وإكْرامِهِمْ: ﴿فَإنَّهُ﴾ أيِ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى يُظْهِرُ ذَلِكَ الرَّسُولُ عَلى ما يُرِيدُ مِنَ الغَيْبِ.
وذَلِكَ أنَّهُ [ إذا -] أرادَ إظْهارَهُ عَلَيْهِ ﴿يَسْلُكُ﴾ أيْ يَدْخُلُ إدْخالَ السِّلْكِ في الجَوْهَرَةِ في تَقَوُّمِهِ ونُفُوذِهِ مِن غَيْرِ أدْنى تَعْرِيجٍ إلى غَيْرِ المُرادِ. ولَمّا كانَ الغَرَضُ يَحْصُلُ بِمَن يُقِيمُهُ سُبْحانَهُ مِن جُنُودِهِ لِلْحِراسَةِ ولَوْ أنَّهُ واحِدٌ مِن كُلِّ جِهَةٍ بَلْ وبِغَيْرِ ذَلِكَ، وإنَّما جَعَلَ هَذا الإخْراجَ لِلْأمْرِ عَلى ما يَتَعارَفُهُ العِبادُ، عَبَّرَ بِالجارِّ دَلِيلًا عَلى عَدَمِ اسْتِغْراقِ الرَّصْدِ لِلْجِهاتِ إلى مُنْقَطِعِ الأرْضِ مَثَلًا فَقالَ: ﴿مِن بَيْنِ يَدَيْهِ﴾ إلى الجِهَةِ الَّتِي يَعْلَمُها ذَلِكَ الرَّسُولُ ﴿ومِن خَلْفِهِ﴾ أيِ الجِهَةِ الَّتِي تَغِيبُ عَنْ عِلْمِهِ، فَصارَ ذَلِكَ كِفايَةً عَنْ كُلِّ جِهَةٍ، ويُمْكِنُ (p-٥٠٣)أنْ يَكُونَ ذِكْرُ الجِهَتَيْنِ دَلالَةً عَلى الكُلِّ وخَصَّهُما لِأنَّ العَدُوَّ مَتى أُعْرِيَتْ واحِدَةٌ مِنهُما أتى مِنها، ومَتى حَفِظَتْ لَمْ يَأْتِ مِن غَيْرِها /، لِأنَّهُ يَصِيرُ بَيْنَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ ﴿رَصَدًا﴾ أيْ حَرَسًا مِن جُنُودِهِ يَحْرُسُونَهُ ويَحْفَظُونَهُ بِحِفْظِ ما مَعَهُ مِنَ الغَيْبِ مِنَ اخْتِطافِ الشَّياطِينِ أوْ غَيْرِهِمْ لِئَلّا يَسْتَرِقُوا شَيْئًا مِن خَبَرِهِ - قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، وقالَ مُقاتِلٌ وغَيْرُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: يُخْبِرُونَهُ بِمَن أنْكَرَهُ بِأنْ يُحَذِّرُوهُ مِنهُ إنْ كانَ شَيْطانًا أوْ يَأْمُرُوهُ بِالسَّماعِ مِنهُ إنْ كانَ مَلَكًا، وذَلِكَ أنَّ إبْلِيسَ [ كانَ -] يَأْتِي الأنْبِياءَ [ في صُورَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ -] ولَكِنَّ اللَّهَ عَصَمَهم مِنهُ.
{"ayah":"إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولࣲ فَإِنَّهُۥ یَسۡلُكُ مِنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ رَصَدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق