الباحث القرآني

ولَمّا فَرَغَ مِن أمْرِهِمْ في ضَلالِهِمْ، ودَعا رَسُولَهم ﷺ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا إهْلاكُهم. وكانَ مِن مَفْهُوماتِ الضَّلالِ المُحِقِّ وإذْهابِ العَيْنِ كَما يَضِلُّ الماءُ في اللَّبَنِ، قالَ مُبَيِّنًا، إجابَتَهُ لِدُعائِهِ ذاكِرًا الجِهَةَ الَّتِي أُهْلِكُوا بِسَبَبِها: وأكَّدَ بِ ”ما“ النّافِيَةِ في الصُّورَةِ لِضِدِّ مَضْمُونِ الكَلامِ لِاعْتِقادِ الكُفّارِ أنَّ الإنْجاءَ والإهْلاكَ عادَةً الدَّهْرُ: ﴿مِمّا﴾ . ولَمّا كانَ الكافِرُ قَدْ أخْطَأ ثَلاثَ مَرّاتٍ: يُكَفِّرُهُ في الإيمانِ بِالطّاغُوتِ، وتَكْذِيبِ رَبِّهِ، وتَكْذِيبِ رَسُولِهِ ﷺ، وكانَ ذَلِكَ كافِيًا في اسْتِحْقاقِهِ لِلْأخْذِ قالَ: ﴿خَطِيئاتِهِمْ﴾ جامِعًا لَهُ جَمْعَ السَّلامَةِ - في قِراءَةِ الجَماعَةِ، وأفْهَمَتْ قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو بِجَمْعِ التَّكْسِيرِ أنَّ لَهم مَعَ هَذِهِ الأُمَّهاتِ الكافِيَةَ في الأخْذِ مِنَ الذُّنُوبِ ما يَفُوتُ الحَصْرُ يُوجِبُ تَغْلِيظَ ذَلِكَ الأخْذَ، فَهي مُشِيرَةٌ إلى أنَّهُ يَنْبَغِي الِاحْتِرازُ مِن [ كُلِّ -] الذَّنْبِ. ولَمّا كانَ المُوجِعُ إغْراقَهم لا كَوْنُهُ مِن مُعَيَّنٍ، قالَ مُخْبِرًا عَمّا فَعَلَ بِهِمْ في الدُّنْيا: ﴿أُغْرِقُوا﴾ أيْ بِالطُّوفانِ بانِيًا لَهُ لِلْمَفْعُولِ لِذَلِكَ ولِلْإعْلامِ بِأنَّهُ في غايَةِ السُّهُولَةِ عَلى الفاعِلِ المُخْتارِ الواحِدِ القَهّارِ، فَطافَ الماءُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ الأرْضِ السَّهْلَ والجَبَلَ، فَلَمْ يُبْقِ مِنهم أحَدًا، وكَذا الكَلامُ فِيما تُسَبِّبَ عَنْهُ وتَعَقَّبَهُ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَأُدْخِلُوا﴾ أيْ بِقَهْرِ القَهّارِ (p-٤٥٤)فِي الآخِرَةِ الَّتِي أوَّلُها البَرْزَخُ يُعْرَضُونَ فِيهِ عَلى النّارِ بِكُرَةً وعَشِيًّا ﴿نارًا﴾ أيْ عَظِيمَةً جِدًّا أخَفُّها ما يَكُونُ مِن مَبادِئِها في البَرْزَخِ، قالَ الشَّيْخُ ولِيُّ الدِّينِ المَلْوِيُّ: فَعُذِّبُوا في الدُّنْيا بِالغَرَقِ، وفي الآخِرَةِ بِالحَرْقِ، والإياسِ مِنَ الرَّحْمَةِ، وأيُّ عَذابٍ أشَدُّ مِن ذَلِكَ، [ و-] قالَ الضَّحّاكُ: في حالَةٍ واحِدَةٍ كانُوا يَغْرَقُونَ في الماءِ مِن جانِبٍ ويَحْتَرِقُونَ في الماءِ مِن جانِبٍ آخَرَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، وفِيها دَلالَةٌ عَلى قَوْلِ غَيْرِهِ عَلى عَذابِ القَبْرِ. ولَمّا كانُوا قَدِ اسْتَنَدُوا إلى آلِهَتِهِمْ لِتَنْصُرَهم مِن أخْذِ اللَّهِ تَعالى، قالَ مُسَبِّبًا عَنْ هَذا الإغْراقِ والإدْخالِ مِنَ الرَّحْمَةِ لِيَكُونَ ذَلِكَ [ أشَدَّ -] في العَذابِ، فَإنَّ الإنْسانَ - كَما قالَ المَلْوِيُّ: - إذا كانَ في العَذابِ ويَرْجُو الخَلاصَ يُهَوِّنُ عَلَيْهِ الأمْرَ بِخِلافِ ما إذا يَئِسَ مِنَ الخَلاصِ، مُعْلِمًا بِأنَّ آلِهَتَهم عاجِزَةٌ فَإنَّهم لَمْ تُغْنِ عَنْهم شَيْئًا، تَوْبِيخًا لِمَن يَعْبُدُ مِثْلَها: ﴿فَلَمْ يَجِدُوا﴾ وحَقَّقَ الأمْرَ فِيهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿لَهُمْ﴾ أيْ عِنْدَما أناخَ اللَّهُ بِهِمْ سَطْوَتَهُ وأحَلَّ بِهِمْ نِقْمَتَهُ. ولَمّا كانَتِ الرُّتَبُ كُلُّها دُونَ رُتْبَتِهِ تَعالى، وكانَ لَيْسَ لِأحَدٍ أنْ يَسْتَغْرِقَ جَمِيعَ ما تَحْتَ رُتْبَتِهِ سُبْحانَهُ مِنَ المَراتِبِ، قالَ مُثْبِتًا الجارَّ: (p-٤٥٥)﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْظَمِ الَّذِي تَتَضاءَلَ المَراتِبُ تَحْتَ رُتْبَةِ عَظَمَتِهِ وتَذِلُّ لِعِزِّهِ وجَلِيلِ سَطْوَتِهِ ﴿أنْصارًا﴾ يَنْصُرُونَهم عَلى مَن أرادَ بِهِمْ ذَلِكَ لِيَمْنَعُوهُ مِمّا فَعَلَ بِهِمْ أوْ يَقْتَصُّوا مِنهُ لَهم بِما شَهِدَ بِهِ شاهِدُ الوُجُودِ الَّذِي هو أعْدَلُ الشُّهُودِ مِن أنَّهُ تَمَّ ما أرادَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى مِن إغْراقِهِمْ مِن غَيْرِ أنْ يَتَخَلَّفَ مِنهم أحَدٌ عَلى كَثْرَتِهِمْ وقُوَّتِهِمْ لِكَوْنِهِمْ أعْداءَهُ وإنْجاءُ نَبِيِّهِ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ومَن مَعَهُ رِضْوانُ اللَّهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ عَلى ضَعْفِهِمْ وقِلَّتِهِمْ لَمْ يَقْعُدْ مِنهم أحَدٌ لِكَوْنِهِمْ أوْلِياءَهُ، فَكَما لَمْ يَهْلَكْ مِمَّنْ أرادَ إنْجاءَهُ أحَدٌ فَكَذَلِكَ لَمْ يَسْلَمْ مِنهُمْ، فَمَن قالَ عَنْ عِوَجٍ ما يَقُولُهُ القَصّاصُ فَهو أيْضًا ضالٌّ أشَدَّ ضَلالٍ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلى مَن يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعالى كانَ غَيْرَ ناصِرِهِمْ، مَعَ هَذِهِ الدَّلالاتِ الَّتِي هي نَصٌّ في أنَّهُ عَدُوُّهُمْ، وأنَّ نَصْرَهم إنَّما يَكُونُ عَلى نَبِيِّهِ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، واعْتِقادُ ذَلِكَ أوْ شَيْءٌ مِنهُ كُفْرٌ ظاهِرٌ لا مَحِيدَ عَنْهُ بِوَجْهٍ، وقائِلُ ذَلِكَ هو ابْنُ عَرَبِيٍّ صاحِبُ (p-٤٥٦)الفُصُوصِ الَّذِي لَمْ يُرِدْ بِتَصْنِيفِهِ إلّا هَدْمَ الشَّرِيعَةِ المُطَهَّرَةِ، ونَظْمُهُ أيْضًا ابْنُ الفارِضِ في تائِيَّتِهِ الَّتِي سَمّاها بِنَظْمِ السُّلُوكِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وعَلى مَن تَبِعَهُ أوْ شَكَّ في كُفْرِهِ أوْ تَوَقَّفَ في لَعْنِهِ بَعْدَ ما نَصَبَ مِنَ الضَّلالِ الَّذِي سَعَّرَ بِهِ البِلادَ، وأرْدى كَثِيرًا مِنَ العِبادِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب