الباحث القرآني

ولَمّا كانَ في [ ذِكْرِ -] هَذا الخَلْقِ مَعَ ما تُقَدِّمُ إشارَةً عَظِيمَةً إلى ما كانُوا يَقُولُونَ: إنَّهُ إنْ كانَ الأمْرُ كَما يَقُولُونَ مِنَ الحَشْرِ والجَنَّةِ لِنَكُونُنَّ آثَرَ عِنْدَ اللَّهِ مِنكم ولِنُدْخِلُنَّها كَما نَحْنُ الآنَ آثَرَ مِنكم [ عِنْدَهُ -] بِما لَنا مِنَ الأمْوالِ، والبَسْطَةُ في الدُّنْيا والوَجاهَةُ والإقْبالُ، وتَنْبِيهٌ عَلى [ أنَّ -] الكُلَّ مُتَساوُونَ في أنَّهم مِن نُطْفَةٍ فَما فَضْلُهم في هَذِهِ (p-٤١٦)الدُّنْيا بِهَذِهِ النِّعَمِ الظّاهِرَةِ إلّا هو سُبْحانَهُ، وقَدْ فَضَّلَ المُؤْمِنِينَ بِالنِّعَمِ الباطِنَةِ الَّتِي زادَتْهم في التَّمَكُّنِ فِيها التَّزْكِيَةُ بِهَذِهِ الأوْصافِ العَمَلِيَّةِ النّاشِئَةِ عَنِ الصِّفَةِ العِلْمِيَّةِ، وهو قادِرٌ عَلى أنْ يَضُمَّ إلى النِّعَمِ الباطِنَةِ النِّعَمَ الظّاهِرَةَ، ولِذَلِكَ سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلُهُ: وأكَّدَ بِنَفْيِ القَسَمِ المُشِيرِ إلى عَدَمِ الحاجَةِ إلَيْهِ لِكَثْرَةِ الأدِلَّةِ المُغْنِيَةِ عَنْهُ لِما لِذَلِكَ المَقْسِمِ عَلَيْهِ مِنَ الغَرابَةِ في ذَلِكَ الوَقْتِ لِكَثْرَةِ الكُفّارِ وقُوَّةِ شَوْكَتِهِمْ: ﴿فَلا﴾ أيْ فَتَسَبَّبَ عَنْ خُلُقِنا لَهم مِن ذَلِكَ المُنَبِّهِ عَلى أنّا نَقْدِرُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ نُرِيدُهُ وأنَّهُ لا يُعْجِزُنا شَيْءٌ أيْ لا ﴿أُقْسِمُ﴾ فَلَفَتَ القَوْلَ إلى أفْرادِ الضَّمِيرِ مُعَرًّى عَنْ مَظْهَرِ العَظَمَةِ لِئَلّا يَتَعَنَّتَ مُتَعَنِّتٌ في أمْرِ الوَحْدانِيَّةِ ﴿بِرَبِّ﴾ أيْ مُرَبِّي وسَيِّدٌ ومُبْدِعٌ ومُدَبِّرٌ ﴿المَشارِقِ﴾ الَّتِي تُشْرِقُ الشَّمْسَ والقَمَرَ والكَواكِبَ السَّيّارَةَ كُلَّ يَوْمٍ في مَوْضِعٍ مِنها عَلى المِنهاجِ الَّذِي دَبَّرَهُ، والقانُونِ القَوِيمِ الَّذِي أتْقَنَهُ وسَخَّرَهُ، سِتَّةَ أشْهُرٍ صاعِدَةٍ وسِتَّةَ أشْهُرٍ هابِطَةٍ ﴿والمَغارِبِ﴾ كَذَلِكَ عَلى هَذا التَّرْتِيبِ المُحْكَمِ الَّذِي لا يَعْتَرِيهِ اخْتِلالٌ، وهي الَّتِي يَنْشَأُ عَنْها اللَّيْلُ والنَّهارُ والفُصُولُ الأرْبَعَةُ، فَكانَ [ بِها -] صَلاحُ العالَمِ بِمَعْرِفَةِ الحِسابِ وإصْلاحِ المَآكِلِ والمَشارِبِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَآرِبِ، فَيُوجَدُ كُلٌّ مِنَ المَلَوَيْنِ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ والنَّباتُ مِنَ النَّجْمِ والشَّجَرِ كَذَلِكَ عادَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ دالَّةٌ عَلى أنَّهُ قادِرٌ (p-٤١٧)عَلى الإيجادِ والإعْدامِ لِكُلِّ ما يُرِيدُهُ كَما يُرِيدُهُ مِن غَيْرِ كُلْفَةٍ ما. ولَمّا كانَ المَعْنى: لا أُقْسِمُ بِذَلِكَ وإنْ كانَ عَظِيمًا لِأنَّ الأمْرَ في وُضُوحِهِ لا يَحْتاجُ إلى قَسَمٍ، كَما لَوْ قالَ خَصْمٌ لِخَصْمِهِ: احْلِفْ، فَيَقُولُ لَهُ: الأمْرُ غَنِيٌّ عَنْ حَلِفِي إذْ يَحْتاجُ إلى اليَمِينِ مِن لا بَيِّنَةَ لَهُ، ثُمَّ يَأْتِي مِنَ البَيِّناتِ بِما لا يَكُونُ مَعَهُ شُبْهَةٌ، وكانُوا في تَفْضِيلِ أنْفُسِهِمْ - مَعَ الِاعْتِرافِ لِلَّهِ بِالقُدْرَةِ - كالمُنْكِرِينَ لِلْقُدْرَةِ عَلى قَلْبِ الأمْرِ، أكَّدَ قَوْلَهُ عائِدًا إلى مَظْهَرِ العَظَمَةِ [ بَعْدَ دَفْعِ اللَّبْسِ بِما هو في وُضُوحِهِ أجْلى مِنَ الشَّمْسِ: ﴿إنّا﴾ أيْ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿لَقادِرُونَ﴾ بِأنْواعِ التَّأْكِيدِ بِالأداةِ والإسْمِيَّةِ والِالتِفاتِ إلى مَظْهَرِ العَظَمَةِ -] في كُلٍّ مِنَ الِاسْمِ والخَبَرِ، فَكانَ في إخْبارِهِ بَعْدَ الإقْسامِ مَعَ التَّأْكِيدِ إشارَةٌ إلى أعْلى مَراتِبِ التَّأْكِيدِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب