الباحث القرآني

ولَمّا صارَتْ تِلْكَ الدّارُ مَحَلَّ الغَضَبِ، سَبَّبَ ذَلِكَ أنْ هاجَرَ عَنْها كَما كانَتْ عادَةُ مَن قَبْلَهُ مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، فَقالَ: ﴿فَتَوَلّى عَنْهُمْ﴾ بَعْدَ نُزُولِ العَذابِ وقَبْلَهُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَخايِلِهِ ذاهِبًا إلى مَكانٍ غَيْرِهِ، يَعْبُدُ رَبَّهُ فِيهِ، ﴿وقالَ﴾ مُتَأسِّفًا عَلى ما فاتَهُ مِن هِدايَتِهِمْ، ﴿يا قَوْمِ﴾ أيْ: يا عَشِيرَتِي وأقْرَبَ النّاسِ إلَيَّ، ﴿لَقَدْ أبْلَغْتُكُمْ﴾ ولَعَلَّهُ جَمَعَ لِأجْلِ كَثْرَةِ ما أتاهم بِهِ مِنَ المُعْجِزاتِ فَقالَ: ﴿رِسالاتِ رَبِّي﴾ أيِ: المُحْسِنِ إلَيَّ بِإنْجائِي ومَن تَبِعَنِي مِن عَذابِكم لِتَوْفِيقِهِ لَنا إلى ما يُرْضِيهِ، ﴿ونَصَحْتُ﴾ أيْ: وأوْقَعْتُ النُّصْحَ (p-٩)﴿لَكُمْ﴾ أيْ: خاصَّةً. ولَمّا كانَ هَذا مُفْهِمًا لِما طُبِعَ البَشَرُ مِنَ الأسَفِ عَلى أهْلِهِ وعَشِيرَتِهِ، سَبَّبَ عَنْهُ مُنْكِرًا عَلى نَفْسِهِ قَوْلَهُ: ﴿فَكَيْفَ آسى﴾ أيْ: أحْزَنُ حُزْنًا شَدِيدًا، ﴿عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ﴾ أيْ: عَرِيقِينَ في الكُفْرِ، فَعَرَفَ أنَّهُ أسِفَ عَلَيْهِمْ مِن أجْلِ قُرْبِهِمْ وفَواتِ الإيمانِ لَهم غَيْرُ آسِفٍ عَلَيْهِمْ مِن أجْلِ كُفْرِهِمْ، وتَخْصِيصُ تَكْرِيرِ هَذِهِ القِصَصِ الخَمْسِ عَلى هَذا التَّرْتِيبِ في كَثِيرٍ مِن سُوَرِ القُرْآنِ - دُونَ قِصَّةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وهو أعْظَمُهم - لِانْتِظامِهِمْ في أنَّهم أقَرَّتْ أعْيُنُهم بِأنْ رَأوْا مَصارِعَ مَن خالَفَهُمْ، وأمّا إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَإنَّهُ وقَعَ النَّصُّ في قَوْلِهِ: ﴿إنِّي ذاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الصافات: ٩٩] بِأنَّهُ خَرَجَ مِن بَيْنِ قَوْمِهِ قَبْلَ عَذابِهِمْ ولَمْ يَسْلُكْ بِهِ سَبِيلَهم في إقْرارِ عَيْنِهِ بِإهْلاكِ مَن كَذَّبَهُ بِحَضْرَتِهِ، وهو أفْضَلُهُمْ؛ لِأنَّ الكائِنَ في قِصَّتِهِ أعْظَمُ في الأفْضَلِيَّةِ، وهو طِبْقُ ما اتَّفَقَ لِوَلَدِهِ أفْضَلِ البَشَرِ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ ﷺ، وانْظُرْ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهم وأنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] تَعْرِفْ ما في هَذا المَقامِ مِنَ الإكْرامِ، وأنَّ الأمْرَ كَما قِيلَ: لِعَيْنٍ تُجازى ألْفُ عَيْنٍ وتُكْرَمُ. ولَمّا قَدَّمَ سُبْحانَهُ إجْمالَ الإنْذارِ بِما اشْتَرَكَتْ فِيهِ الأُمَمُ مِنَ الإهْلاكِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكَمْ مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها﴾ [الأعراف: ٤] الآيَةَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب