الباحث القرآني
(p-٤٥٩)ولَمّا انْقَضَتْ هَذِهِ القِصَّةُ العَجِيبَةُ في القَصَصِ، أعادَ النَّسَقَ الأوَّلَ فَقالَ ﴿وإلى مَدْيَنَ﴾ أيْ: أرْسَلْنا، وهي بَلَدٌ، وقِيلَ قَبِيلَةٌ مِن أوْلادِ مَدْيَنَ بْنِ إبْراهِيمَ الخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ﴿أخاهُمْ﴾ أيْ: مِنَ النَّسَبِ، وبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿شُعَيْبًا﴾ وهو مَوْصُوفٌ بِأنَّهُ خَطِيبُ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمْ السَّلامُ - لِحُسْنِ مُراجَعَةِ قَوْمِهِ؛ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ قَوْلَهُ عَلى ذَلِكَ النَّسَقِ: ﴿قالَ يا قَوْمِ﴾ دالًّا عَلى النَّصِيحَةِ والشَّفَقَةِ بِالتَّذْكِيرِ بِالقَرابَةِ، وبَدَأ بِالأصْلِ المُعْتَبَرِ في جَمِيعِ الشَّرائِعِ المَأْثُورَةِ عَنِ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمْ السَّلامُ - فَقالَ: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ أيْ: الَّذِي يَسْتَحِقُّ العِبادَةَ لِذاتِهِ بِما لَهُ مِنَ الأسْماءِ الحُسْنى والصِّفاتِ العُلى.
ولَمّا كانَ المُرادُ إفْرادَهُ بِالعِبادَةِ لِأنَّهُ لا يَقْبَلُ الشِّرْكَ لِأنَّهُ غَنِيٌّ - عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ما لَكُمْ﴾ وأغْرَقَ في النَّفْيِ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن إلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ التَّذْكِيرَ بِما دَلَّ عَلى صِحَّةِ دَعْواهُ في نَفْسِها وصِدْقِهِ في دَعْوى الرِّسالَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿قَدْ جاءَتْكُمْ﴾ أيْ: عَلى يَدَيَّ ﴿بَيِّنَةٌ﴾ ولَمّا كُنّا عالِمِينَ مِن قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي أخْرَجَهُ الشَّيْخانِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «(ما مِنَ الأنْبِياءِ نَبِيٌّ إلّا أُوتِيَ مِنَ الآياتِ ما مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ)» أنَّ هَذِهِ البَيِّنَةَ مُعْجِزَةٌ، مِثْلُها كافٍ في صِحَّةِ الدَّعْوى ولَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلى ذِكْرِها لَنا، لَمْ تُعْنَ. ثُمَّ زادَهم تَرْغِيبًا بِقَوْلِهِ: ﴿مِن رَبِّكُمْ﴾ أيْ: الَّذِي لَمْ تَرَوْا إحْسانًا إلّا مِنهُ.
ولَمّا كانَ إتْيانُهُ بِالبَيِّناتِ سَبَبًا لِوُجُوبِ امْتِثالِ أمْرِهِ، قالَ مُسَبِّبًا عَنْهُ: ﴿فَأوْفُوا الكَيْلَ﴾ أيْ: والمِكْيالَ والوَزْنَ ﴿والمِيزانَ﴾ أيْ: ابْذُلُوا ما (p-٤٦٠)تُعْطُونَ بِهِما وافِيًا، فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ، وكانَ المَحْكِيُّ عَنْهُ هُنا مِن أوائِلِ قَوْلِهِ لَهم فَتَرَكَ التَّأْكِيدَ الرّافِعَ لِمَجازِ المُقارَبَةِ بِذِكْرِ القِسْطِ.
ولَمّا كانَ الأمْرُ بِالوَفاءِ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنِ البَخْسِ، صَرَّحَ بِهِ عَلى وجْهٍ يَعُمُّ غَيْرَهُ، فَقالَ: ﴿ولا تَبْخَسُوا﴾ أيْ: تَنْقُصُوا وتُفْسِدُوا كَما أفْسَدَ البَخَسَةُ ﴿النّاسَ أشْياءَهُمْ﴾ أيْ: شَيْئًا مِنَ البَخْسِ في كَيْلٍ ولا وزْنٍ ولا غَيْرِهِما، والنّاسُ - قالَ في القامُوسِ - يَكُونُ مِنَ الإنْسِ ومِنَ الجِنِّ جَمْعُ إنْسٍ أصْلُهُ أُناسٌ جَمْعٌ عَزِيزٌ أُدْخِلَ عَلَيْهِ (الـ)، وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ القَزّازُ: النّاسُ أصْلُهُ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ أُناسٌ، ثُمَّ أدْخَلُوا الألِفَ واللّامَ عَلى ذَلِكَ وحَذَفُوا الهَمْزَةَ وبَقِيَ النّاسُ، وكانَ أصْلُهُ فُعالٌ مِن: أنِسْتُ بِهِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: أُناسٌ - يَعْنِي: عَلى القَلْبِ، قالَ: لِأنَّهُ يُؤْنَسُ إلَيْهِمْ. انْتَهى. إذا عُلِمَ هَذا عُلِمَ أنَّ نَهْيَهُ ﷺ عَنْ بَخْسِ الجَمْعِ الَّذِينَ فِيهِمْ قُوَّةُ المُدافَعَةِ نَهْيٌ عَنْ بَخْسِ الواحِدِ مِن بابِ الأُخْرى لِأنَّ الشَّرائِعَ إنَّما جاءَتْ بِتَقْوِيَةِ الضَّعِيفِ عَلى حَقِّهِ.
ولَمّا نَهى عَنِ الفَسادِ بِالبَخْسِ، عَمَّ كُلَّ فَسادٍ فَقالَ: ﴿ولا تُفْسِدُوا﴾ أيْ: تُوقِعُوا الفَسادَ ﴿فِي الأرْضِ﴾ بِوَضْعِ شَيْءٍ مِن حَقِّ الحَقِّ أوْ الخَلْقِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ. ولَمّا نَهاهم عَنْ هَذِهِ الرَّذائِلِ ذَكَّرَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَأْكِيدًا لِلنَّهْيِ بِما في ذَلِكَ مِنَ التَّخْوِيفِ وحَثًّا عَلى التَّخَلُّقِ بِوَصْفِ السَّيِّدِ، فَقالَ: ﴿بَعْدَ إصْلاحِها﴾ أيْ: إصْلاحِ اللَّهِ لَها بِنِعْمَةِ الإيجادِ الأوَّلِ بِخَلْقِها وخَلْقِ مَنافِعِها وما فِيها عَلى هَذا النِّظامِ البَدِيعِ المُحْكَمِ ثُمَّ بِنِعْمَةِ الإبْقاءِ الأوَّلِ (p-٤٦١)بِإنْزالِ الكُتُبِ وإرْسالِ الرُّسُلِ ونَصْبِ الشَّرائِعِ الَّتِي بِها يَحْصُلُ النَّفْعُ وتَتِمُّ النِّعْمَةُ بِإصْلاحِ أمْرِ المَعاشِ والمَعادِ بِتَعْظِيمِ أمْرِ اللَّهِ والشَّفَقَةِ عَلى خَلْقِ اللَّهِ، ويَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ التَّنَزُّهُ عَنِ الإساءَةِ.
ولَمّا تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ بِالأمْرِ والنَّهْيِ أشارَ إلى عَظَمَةِ ما تَضَمَّنَهُ ذَلِكَ حَثًّا لَهم عَلى امْتِثالِهِ، فَقالَ: ﴿ذَلِكُمْ﴾ أيْ: الأمْرُ العَظِيمُ العالِي الرُّتْبَةِ مِمّا ذُكِرَ في هَذِهِ القِصَّةِ ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ ولَمّا كانَ الكافِرُ ناقِصَ المَدارِكِ كامِلَ المَهالِكِ، أشارَ إلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: فَلا تُفْسِدُوا أوْ فَأنْتُمْ تَعْرِفُونَ صِحَّةَ ما قُلْتُهُ، وإذْ عَرَفْتُمْ صِحَّتَهُ عَمِلْتُمْ بِهِ، وإذا عَمِلْتُمْ بِهِ أفْلَحْتُمْ كُلَّ الفَلاحِ، ويَجُوزُ - وهو أحْسَنُ - أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: فَهو خَيْرٌ لَكم؛ لِأنَّ المُؤْمِنَ يُثابُ عَلى فِعْلِهِ لِبِنائِهِ لَهُ عَلى أساسِ الإيمانِ، والكافِرُ أعْمالُهُ فاسِدَةٌ فَلا يَكُونُ فِعْلُهُ لِهَذِهِ الأشْياءِ خَيْرًا لَهُ مِن جِهَةِ إسْعادِهِ في الآخِرَةِ لِأنَّهُ لا ثَوابَ لَهُ.
{"ayah":"وَإِلَىٰ مَدۡیَنَ أَخَاهُمۡ شُعَیۡبࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۖ قَدۡ جَاۤءَتۡكُم بَیِّنَةࣱ مِّن رَّبِّكُمۡۖ فَأَوۡفُوا۟ ٱلۡكَیۡلَ وَٱلۡمِیزَانَ وَلَا تَبۡخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشۡیَاۤءَهُمۡ وَلَا تُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَـٰحِهَاۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق