الباحث القرآني
ولَمّا كانَ يَعْرِفُ ما يَعْتَقِدُونَهُ مِن أمانَتِهِ وعَقْلِهِ، وظَنَّ أنَّهُ ما حَمَلَهم عَلى هَذا إلّا العُجْبُ مِن أنْ يَطَّلِعَ عَلى ما لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَيْهِ - أنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ ذاكِرًا لِما ظَنَّهُ حامِلًا لَهم مُلَوِّحًا بِالعَطْفِ إلى التَّكْذِيبِ، فَقالَ: ﴿أوَعَجِبْتُمْ﴾ أيْ: أكَذَبْتُمْ وعَجِبْتُمْ ﴿أنْ جاءَكم ذِكْرٌ﴾ أيْ: شَرَفٌ وتَذْكِيرٌ ﴿مِن رَبِّكُمْ﴾ أيْ: الَّذِي لَمْ يَقْطَعْ إحْسانَهُ عَنْكم قَطُّ، مُنَزِّلًا ﴿عَلى رَجُلٍ مِنكُمْ﴾ أيْ: عِزُّهُ عِزُّكم وشَرَفُهُ شَرَفُكم فَما فاتَكم شَيْءٌ ﴿لِيُنْذِرَكُمْ﴾ أيْ: يُحَذِّرَكم ما لِمَن كانَ عَلى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ مِن وخامَةِ العاقِبَةِ.
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فاحْذَرُوا، عَطَفَ عَلَيْهِ تَذْكِيرَهم بِالنِّعْمَةِ مُشِيرًا بِهِ إلى التَّحْذِيرِ مِن عَظِيمِ النِّقْمَةِ في قَوْلِهِ:﴿واذْكُرُوا إذْ﴾ أيْ: حِينَ ﴿جَعَلَكم خُلَفاءَ﴾ أيْ: فِيما أنْتُمْ فِيهِ مِنَ الأرْضِ، ولَمّا كانَ زَمَنُهم مُتَراخِيًا بَعْدَهم، أتى بِالجارِّ، فَقالَ: ﴿مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ أوْ يَكُونُ المَحْذُوفُ ما اقْتَضاهُ الِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِ: ﴿أوَعَجِبْتُمْ﴾ مِن طَلَبِ الجَوابِ، أيْ: أجِيبُوا واذْكُرُوا، أيْ: ولا تُبادِرُوا بِالجَوابِ حَتّى تَذْكُرُوا ما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْكم، وفِيهِ الإشارَةُ إلى التَّحْذِيرِ مِمّا وقَعَ لِقَوْمِ نُوحٍ، أوْ يَكُونُ العَطْفُ عَلى مَعْنى الِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ في ﴿أفَلا تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ٦٥] ﴿أوَعَجِبْتُمْ﴾ أيْ: اتَّقُوا ولا تَعْجَبُوا واذْكُرُوا، أوْ يَكُونُ العَطْفُ - وهو أحْسَنُ - عَلى: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [الأعراف: ٦٥] وقَوْلُهُ: ﴿خُلَفاءَ﴾ (p-٤٣٨)قِيلَ: إنَّهُ يَقْتَضِي أنْ يَكُونُوا قامُوا مَقامَهم، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّ قَوْمَ نُوحٍ كانُوا مِلْءَ الأرْضِ، وأنَّ عادًا إنَّما كانُوا في قِطْعَةٍ مِنها يَسِيرَةٍ وهي الشَّجَرَةُ مِن ناحِيَةِ اليَمَنِ، فَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِ شَدّادِ بْنِ عادٍ مَلَكَ جَمِيعَ الأرْضِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: جُعِلَ جَدُّكم خَلِيفَةً في جَمِيعِ الأرْضِ، فَلَوْ حَصَلَ الشُّكْرُ لَتَمَّتْ النِّعْمَةُ، فَأطِيعُوا يَزِدْكم مِن فَضْلِهِ، وقِيلَ: إنَّ قِصَّةَ ثَمُودَ مِثْلَ ذَلِكَ، ولَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَن مَلَكَ الأرْضَ ولا أرْضَ عادٍ، فَأُجِيبَ بِما طُرِدَ، وهو أنَّ عادًا لَمّا كانُوا أقْوى أهْلِ الأرْضِ أبْدانًا وأعْظَمَهم أجْسادًا وأشَدَّهم خَلْقًا وأشْهَرَهم قَبِيلَةً وذِكْرًا - كانَ سائِرُ النّاسِ لَهم تَبَعًا، وكَذا ثَمُودُ فِيما أُعْطَوْهُ مِنَ القُدْرَةِ عَلى نَحْتِ الجِبالِ ونَحْوِها بُيُوتًا، وعِنْدِي أنَّ السُّؤالَ مِن أصْلِهِ لا يُرَدُّ فَإنَّ بَيْنَ قَوْلِنا: فُلانٌ خَلِيفَةَ فُلانٍ، وفُلانٌ خَلِيفَةً مِن بَعْدِ فُلانٍ - مِنَ الفَرْقِ ما لا يَخْفى، فالمَخْلُوفُ في الثّانِي لَمْ يُذْكَرْ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: جَعَلَكم خُلَفاءَ لِمَن كانَ قَبْلَكم في هَذِهِ الأرْضِ الَّتِي أنْتُمْ بِها، وخَصَّ قَوْمَ نُوحٍ وعادٍ بِالذِّكْرِ تَذْكِيرًا بِما حَلَّ بِهِمْ مِنَ العَذابِ، ولِهَذا بِعَيْنِهِ خَصَّ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَمَ الَّتِي ورَدَتْ في القُرْآنِ بِالذِّكْرِ، وإلّا فَقَدَ كانَتْ الأُمَمُ كَثِيرَةَ العَدِّ زائِدَةً عَلى الحَدِّ عَظِيمَةَ الِانْتِشارِ في جَمِيعِ الأقْطارِ، ومَعْلُومٌ (p-٤٣٩)أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمْ يَتْرُكْ واحِدَةً مِنها بِغَيْرِ رَسُولٍ ﴿وما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ [الإسراء: ١٥]
وفِي قِصَّةِ هُودٍ في سُورَةِ الأحْقافِ ﴿وقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ﴾ [الأحقاف: ٢١] ولَهُ سِرٌّ آخَرُ وهو أنَّ هَذِهِ الأُمَمَ كانَ عِنْدَ العَرَبِ كَثِيرٌ مِن أخْبارِهِمْ فَفُصِّلَتْ لَهم أحْوالُهم، وطُوِيَ عَنْهم مَن لَمْ يَكُنْ عِنْدَهم شُعُورٌ بِهِمْ فَلَمْ يُذْكَرُوا إلّا إجْمالًا لِئَلّا يُسارِعُوا إلى التَّكْذِيبِ بِما يَنْزِلُ فِيهِمْ مِن غَيْرِ دَلِيلٍ شُهُودِيٍّ يُقامُ عَلَيْهِمْ.
ولَمّا ذَكَّرَهم بِمُطْلَقِ الإبْقاءِ بَعْدَ ذَلِكَ الإغْراقِ العامِّ - أتْبَعَهُ التَّذْكِيرَ بِالزِّيادَةِ فَقالَ: ﴿وزادَكُمْ﴾ أيْ: عَلى مَن قِبَلَكم أوْ عَلى مَن هو مَوْجُودٌ في الأرْضِ في زَمانِكم ﴿فِي الخَلْقِ﴾ أيْ: الخاصِّ بِكم ﴿بَسْطَةً﴾ أيْ: في الحِسِّ بِطُولِ الأبْدانِ والمَعْنى بِقُوَّةِ الأرْكانِ، قِيلَ: كانَ طُولُ كُلِّ واحِدٍ مِنهم اثْنَيْ عَشَرَ ذِراعًا، وقِيلَ: أكْثَرُ.
ولَمّا عَظُمَتْ النِّعْمَةُ، كَرَّرَ عَلَيْهِمْ التَّذْكِيرَ فَقالَ مُسَبِّبًا عَنْ ذَلِكَ ﴿فاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ﴾ أيْ: نِعَمَ الَّذِي اسْتَجْمَعَ صِفاتِ العَظَمَةِ الَّتِي أنْعَمَ عَلَيْكم بِها مِنَ الِاسْتِخْلافِ والقُوَّةِ وغَيْرِهِما، واذْكُرُوا أنَّهُ لا نِعْمَةَ عِنْدَكم لِغَيْرِهِ أصْلًا، فَصارَ مُسْتَحِقًّا لِأنْ تَخُصُّوهُ بِالعِبادَةِ ﴿لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ أيْ: لِيَكُونَ حالُكم حالَ مَن يُرْجى فَلاحُهُ وهو ظَفَرُهُ بِجَمِيعِ مُرادِهِ؛ لِأنَّ الذِّكْرَ مُوجِبٌ لِلشُّكْرِ المُوجِبِ لِلزِّيادَةِ.
{"ayah":"أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَاۤءَكُمۡ ذِكۡرࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلࣲ مِّنكُمۡ لِیُنذِرَكُمۡۚ وَٱذۡكُرُوۤا۟ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَاۤءَ مِنۢ بَعۡدِ قَوۡمِ نُوحࣲ وَزَادَكُمۡ فِی ٱلۡخَلۡقِ بَصۜۡطَةࣰۖ فَٱذۡكُرُوۤا۟ ءَالَاۤءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق