الباحث القرآني

ولَمّا كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: لَقَدْ اعْتَرَفُوا، والِاعْتِرافُ - كَما قِيلَ - إنْصافٌ، فَهَلْ يَنْفَعُهُمْ؟ قِيلَ: هَيْهاتَ! فاتَ مَحَلُّهُ بِفَواتِ دارِ العَمَلِ لا جَرَمَ! ﴿قالَ﴾ أيْ: الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ إلَيْهِ أمْرَهم ﴿ادْخُلُوا﴾ كائِنِينَ ﴿فِي أُمَمٍ﴾ أيْ: في جُمْلَةِ جَماعاتٍ وفِرَقٍ أمَّ بَعْضُها بَعْضًا؛ ثُمَّ وصَفَهم دالًّا بِتاءِ التَّأْنِيثِ عَلى ضَعْفِ عُقُولِهِمْ فَقالَ: ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ ولَمّا كانَ في الزَّمَنِ الماضِي مَن آمَنَ، أدْخَلَ الجارَّ، فَقالَ ﴿مِن قَبْلِكُمْ﴾ ولَمّا كانَ الجِنُّ الأصْلَ في الإغْواءِ قَدَّمَهم فَقالَ: ﴿مِنَ الجِنِّ والإنْسِ﴾ ثُمَّ ذَكَرَ مَحَلَّ الدُّخُولِ فَقالَ: ﴿فِي النّارِ﴾ ولَمّا جَرَتْ عادَةُ الرِّفاقِ بِأنَّهم يَتَكالَمُونَ وحِينَ الِاجْتِماعِ يَتَسالَمُونَ تَشَوَّفَ السّامِعُ إلى حالِهِمْ في ذَلِكَ فَقالَ مُجِيبًا لَهُ: ﴿كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ﴾ أيْ: مِنهم في النّارِ ﴿لَعَنَتْ أُخْتَها﴾ أيْ: القَرِيبَةَ مِنها في الدِّينِ والمِلَّةِ الَّتِي قُضِيَتْ آثارُها واتَّبَعَتْ مَنارَها، يَلْعَنُ اليَهُودُ اليَهُودَ والنَّصارى النَّصارى - وهَكَذا، واسْتَمَرَّ ذَلِكَ مِنهم ﴿حَتّى إذا ادّارَكُوا﴾ أيْ: تَدارَكُوا وتَلاحَقُوا، يَرْكَبُ بَعْضُهم بَعْضًا - بِما يُشِيرُ إلَيْهِ الإدْغامُ ﴿فِيها جَمِيعًا﴾ لَمْ يَبْقَ مِنهم أُمَّةٌ ولا واحِدٌ مِن أُمَّةٍ ﴿قالَتْ أُخْراهُمْ﴾ أيْ: في الزَّمَنِ (p-٣٩٨)والمَنزِلَةِ، وهم الأتْباعُ والسُّفَّلُ ﴿لأُولاهُمْ﴾ أيْ: لِأجْلِهِمْ مُخاطِبِينَ لِلَّهِ خِطابَ المُخْلِصِينَ ﴿رَبَّنا﴾ أيْ: الَّذِي ما قَطَعَ إحْسانَهُ في الدُّنْيا عَنّا عَلى ما كانَ مِنّا مِن مُقابَلَةِ إحْسانِهِ بِالإساءَةِ ﴿هَؤُلاءِ﴾ أيْ: الأوَّلُونَ ﴿أضَلُّونا﴾ أيْ: لِكَوْنِهِمْ أوَّلَ مَن سَنَّ الضَّلالَ ﴿فَآتِهِمْ﴾ أيْ: أذِقْهم بِسَبَبِ ذَلِكَ ﴿عَذابًا ضِعْفًا﴾ أيْ: يَكُونُ بِقَدْرِ عَذابِ غَيْرِهِمْ مَرَّتَيْنِ لِأنَّهم ضَلُّوا وأضَلُّوا لِأنَّهم سَنُّوا الضَّلالَ. «(ومَن سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كانَ عَلَيْهِ وِزْرُها ووِزْرُ مَن عَمِلَ بِها إلى يَوْمِ القِيامَةِ)» ومِنهُ «(لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إلّا عَلى ابْنِ آدَمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِن دَمِها)» لِأنَّهُ أوَّلُ مَن سَنَّ القَتْلَ، ثُمَّ أكَّدُوا شِدَّةَ العَذابِ بِقَوْلِهِمْ: ﴿مِنَ النّارِ﴾ ولَمّا كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: لَقَدْ قالُوا ما لَهُ وجْهٌ، فَبِمَ أُجِيبُوا؟ قِيلَ: ﴿قالَ﴾ أيْ: جَوابًا لَهم ﴿لِكُلٍّ﴾ أيْ: مِنَ السّابِقِ واللّاحِقِ والمَتْبُوعِ والتّابِعِ ﴿ضِعْفٌ﴾ وإنْ لَمْ يَكُنْ الضِّعْفانِ مُتَساوِيَيْنِ لِأنَّ المَتْبُوعَ وإنْ كانَ سَبَبًا لِضَلالِ التّابِعِ فالتّابِعُ أيْضًا كانَ سَبَبًا لِتَمادِي المَتْبُوعِ في ضَلالِهِ وشِدَّةِ شَكِيمَتِهِ فِيهِ بِتَقْوِيَتِهِ بِالِاتِّباعِ وتَأْيِيدِهِ بِالمُناضَلَةِ عَنْهُ والدِّفاعِ. ولَمّا كانُوا جاهِلِينَ بِاسْتِحْقاقِهِمْ الضَّعْفَ لِسَبَبِ هَذِهِ الدَّقِيقَةِ قالَ: ﴿ولَكِنْ لا تَعْلَمُونَ﴾ أيْ: بِذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب