الباحث القرآني

ولَمّا أمَرَ – سُبْحانَهُ - بِالقِسْطِ وبِإقامَةِ الوَجْهِ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ - أمَرَهم بِما يَنْبَغِي عِنْدَ تِلْكَ الإقامَةِ مِن سَتْرِ العَوْرَةِ الَّذِي تَقَدَّمَ الحَثُّ عَلَيْهِ وبَيانُ فُحْشِ الهَتْكِ وسُوءِ أثَرِهِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِلَفْظِ الزِّينَةِ تَرْغِيبًا فِيهِ وإذْنًا في الزِّينَةِ وبَيانًا لِأنَّها لَيْسَ مِمّا يُتَوَرَّعُ عَنْهُ لِقَوْلِهِ ﷺ: «(إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إذا بَسَطَ عَلى عَبْدٍ رِزْقَهُ أنْ يَرى أثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ)» رَواهُ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ (p-٣٨٧)وابْنُ مَنِيعٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأتْبَعَ ذَلِكَ أعْظَمَ ما يَنْبَغِي لِابْنِ آدَمَ أنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ القِسْطُ مِنَ المَأْكَلِ والمَشْرَبِ فَقالَ مُكَرِّرًا النِّداءَ اسْتِعْطافًا وإظْهارًا لِعَظِيمِ الإشْفاقِ وتَذْكِيرًا بِقِصَّةِ أبِيهِمْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - الَّتِي أخْرَجَتْهُ مِنَ الجَنَّةِ مَعَ كَوْنِهِ صَفِيَّ اللَّهِ لِيَشْتَدَّ الحَذَرُ: ﴿يا بَنِي آدَمَ﴾ أيْ: الَّذِي زَيَّنّاهُ فَغَرَّهُ الشَّيْطانُ ثُمَّ وقَيْناهُ شَرَّهُ بِما أنْعَمْنا عَلَيْهِ بِهِ مِن حُسْنِ التَّوْبَةِ وعَظِيمِ الرَّغْبَةِ ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾ أيْ: الَّتِي تَقَدَّمَ التَّعْبِيرُ عَنْها بِالرِّيشِ لِسَتْرِ العَوْرَةِ والتَّجَمُّلِ عِنْدَ الِاجْتِماعِ لِلْعِبادَةِ ﴿عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ وأكَّدَ ذَلِكَ كَوْنُهم كانُوا قَدْ شَرَعُوا أنَّ غَيْرَ الحُمْسِ يَطُوفُونَ عُراةً. ولَمًّا أمَرَ بِكُسْوَةِ الظّاهِرِ بِالثِّيابِ لَأنَّ صِحَّةَ الصَّلاةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَيْها - أمَرَ بِكُسْوَةِ الباطِنِ بِالطَّعامِ والشَّرابِ لِتَوَقُّفِ القُدْرَةِ عادَةً عَلَيْها، فَقالَ: ﴿وكُلُوا واشْرَبُوا﴾ وحَسَّنَ ذَلِكَ أنَّ بَعْضَهم كانَ يَتَدَيَّنُ في الحَجِّ بِالتَّضْيِيقِ في ذَلِكَ. ولَمّا أمَرَ بِالمَلْبَسِ والمَطْعَمِ - نَهى عَنِ الِاعْتِداءِ فِيهِما، فَقالَ: ﴿ولا تُسْرِفُوا﴾ بِوَضْعِ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ فِيما لا يَكُونُ أحَقَّ مَواضِعِهِ ولَوْ بِالزِّيادَةِ عَلى المِعاءِ، [ومِن ذَلِكَ أنْ يَتَّبِعَ السُّنَّةَ في الشُّرْبِ، فَيَسِيرٌ؛ لِأنَّ العَكْرَ يَرْسُبُ في الإناءِ فَرُبَّما أُذِيَ مِن شُرْبِهِ، ولِذَلِكَ نَهى عَنِ النَّفَسِ في الإناءِ لِأنَّهُ رُبَّما أنْتَنَ فَعافَتْهُ النَّفْسُ، وأمّا الطَّعامُ فَلْيُحْسِنْ إناءَهُ والأصابِعَ لِنِيلِ البَرَكَةِ وهو أنْظَفُ]، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ﴾ (p-٣٨٨)أيْ: لا يُكْرِمُهُمْ، ولا شَكَّ أنَّ مَن لا يُحِبُّهُ لا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الخَيْرِ فَيُحِيطُ بِهِ كُلُّ شَرٍّ، ومِن جُمْلَةِ السَّرَفِ الأكْلُ في جَمِيعِ البَطْنِ، والِاقْتِصادُ الِاقْتِصارُ عَلى الثُّلْثِ كَما قالَ النَّبِيُّ ﷺ : «(حَسْبُ ابْنِ آدَمَ لُقَيْماتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإنْ كانَ لا بُدَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعامِ وثُلُثٌ لِلشَّرابِ وثُلُثٌ لِلنَّفَسِ)» و«(وما مَلَأ ابْنُ آدَمَ وِعاءً شَرًّا مِن بَطْنٍ)» و«(الكافِرُ يَأْكُلُ في سَبْعَةِ أمْعاءٍ والمُؤْمِنُ يَأْكُلُ في مِعًى واحِدٍ)» أخْرَجَهُ البُخارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - قالَ الأطِبّاءُ، الأمْعاءُ سَبْعَةٌ، فالمَعْنى حِينَئِذٍ أنَّ الكافِرَ يَأْكُلُ شَبَعًا فَيَمْلَأُ الأمْعاءَ السَّبْعَةَ، والمُؤْمِنَ يَأْكُلُ تَقَوُّتًا فَيَأْكُلُ في مِعًى واحِدٍ، وذَلِكَ سُبْعُ بَطْنِهِ، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِلُقَيْماتٍ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ فَفي مِعاءَيْنِ وشَيْءٍ وهو الثُّلُثُ - واللَّهُ أعْلَمُ - وسَبَبُ الآيَةِ أنَّهم كانُوا يَطْرَحُونَ ثِيابَهم إذا أرادُوا الطَّوافَ، يَقُولُونَ: لا نَطُوفُ في ثِيابٍ إذْ بِتْنا فِيها، ونَتَعَرّى مِنها لِنَتَعَرّى مِنَ الذُّنُوبِ إلّا الحُمْسُ وهم قُرَيْشٌ ومَن ولَدَهُ، وكانُوا لا يَأْكُلُونَ مِنَ الطَّعامِ إلّا قُوتًا ولا يَأْكُلُونَ دَسَمًا، فَقالَ المُسْلِمُونَ: يا رَسُولَ اللَّهِ ! فَنَحْنُ أحَقُّ أنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ - فَأُنْزِلَتْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب