الباحث القرآني
ثُمَّ عَلَّلَ الأمْرَ بِالمُراقَبَةِ الدّالَّةِ عَلى أعْظَمِ الخُضُوعِ بِأنَّها وظِيفَةُ المُقَرَّبِينَ فَقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ﴾ وزادَ تَرْغِيبًا في ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿عِنْدَ رَبِّكَ﴾ أيِ: المُحْسِنِ إلَيْكَ بِتَقْرِيبِكَ مِن جَنابِهِ وجَعْلِكَ أكْرَمَ أحْبابِهِ، وهُمُ المَلائِكَةُ الكِرامُ أُولُو العِصْمَةِ والقُرْبِ دُنُوِّ مَكانَةٍ لا مَكانٍ ﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أيْ: لا يُوجِدُونَ ولا يَطْلُبُونَ الكِبْرَ ﴿عَنْ عِبادَتِهِ﴾ أيِ: الخُضُوعِ لَهُ والتَّلَبُّسِ بِأنْحاءِ التَّذَلُّلِ مَعَ مَزِيدِ قُرْبِهِمْ وغايَةِ طِهارَتِهِمْ وحُبِّهِمْ ﴿ويُسَبِّحُونَهُ﴾ أيْ: يُنَزِّهُونَهُ عَنْ كُلِّ ما لا يَلِيقُ مَعَ خُلُوصِهِمْ عَنْ دَواعِي الشَّهَواتِ والحُظُوظِ.
ولَمّا كانَ هَذا يَرْجِعُ إلى المَعارِفِ، وقَدَّمَهُ دَلالَةً عَلى أنَّهُ الأصْلُ في العِبادَةِ أعْمالُ القُلُوبِ، أرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولَهُ﴾ أيْ: وحْدَهُ ﴿يَسْجُدُونَ﴾ أيْ: يَخْضَعُونَ بِإثْباتِهِمْ لَهُ كُلَّ كَمالٍ، وبِالمُباشَرَةِ لِمَحاسِنِ الأعْمالِ، وقَدْ تَضَمَّنَتِ الآيَةُ الإخْبارَ عَنِ المَلائِكَةِ الأبْرارِ بِثَلاثَةِ أخْبارٍ: عَدَمُ الِاسْتِكْبارِ الَّذِي هو أجَلُّ أنْواعِ العِبادَةِ؛ إذْ هو الحامِلُ عَلى الطّاعَةِ كَما أنَّ ضِدَّهُ حامِلٌ عَلى المَعْصِيَةِ، والتَّسْبِيحُ الَّذِي هو التَّنْزِيهُ عَنْ كُلِّ ما لا يَلِيقُ، وتَخْصِيصُهُ بِالسُّجُودِ، ولَمّا كانَتِ العِبادَةُ ناشِئَةً عَنِ انْتِفاءِ الِاسْتِكْبارِ، وكانَتْ عَلى قِسْمَيْنِ: قَلْبِيَّةٍ وجُسْمانِيَّةٍ، أشارَ إلى القَلْبِيَّةِ بِالتَّنْزِيهِ، وإلى الجُسْمانِيَّةِ بِالسُّجُودِ، وهو الحالُ الَّذِي يَكُونُ العَبْدُ بِهِ عِنْدَ رَبِّهِ كالمَلائِكَةِ قُرْبًا وزُلْفى (p-٢١٣)«أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ وهو ساجِدٌ» نَبَّهَ عَلَيْهِ أبُو حَيّانَ عَلى أنَّ العِبادَتَيْنِ مَرْجِعُهُما القَلْبُ، وإحْداهُما مَدْلُولٌ عَلَيْها بِالقَوْلِ والأُخْرى بِالفِعْلِ، وقَدْ رَجَعَ آخِرُ السُّورَةِ في الأمْرِ بِاتِّباعِ القُرْآنِ إلى أوَّلِها أحْسَنَ رُجُوعٍ، ولِوَصْفِ المُقَرَّبِينَ بِعَدَمِ الِاسْتِكْبارِ والمُواظَبَةِ عَلى وظائِفِ الخُضُوعِ إلى وصْفِ إبْلِيسَ بِعِصْيانِ أمْرِ اللَّهِ في السُّجُودِ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى طَرِيقِ الِاسْتِكْبارِ أيَّ التِفاتٍ، بَلْ شَرَعَ في رَدِّ المَقْطَعِ عَلى المَطْلَعِ حِينَ أتَمَّ قِصَصَ الأنْبِياءِ، فَقَوْلُهُ: ﴿ولَقَدْ ذَرَأْنا﴾ [الأعراف: ١٧٩] هو قَوْلُهُ: ﴿والَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلا نَكِدًا﴾ [الأعراف: ٥٨] يَتَّضِحُ لَكَ ذَلِكَ إذا راجَعْتَ ما قَدَّمْتُهُ في المُرادِ مِنها ﴿ولِلَّهِ الأسْماءُ الحُسْنى فادْعُوهُ بِها﴾ [الأعراف: ١٨٠] هُوَ-: ﴿ادْعُوا رَبَّكم تَضَرُّعًا وخُفْيَةً﴾ [الأعراف: ٥٥] و﴿ومِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ﴾ [الأعراف: ١٨١] - هُوَ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلا وُسْعَها أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ﴾ [الأعراف: ٤٢] ﴿والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا واسْتَكْبَرُوا عَنْها﴾ [الأعراف: ٣٦] ﴿وأنْ عَسى أنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أجَلُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٨٥] هُوَ: ﴿فَإذا جاءَ أجَلُهم لا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤] و﴿يَسْألُونَكَ عَنِ السّاعَةِ﴾ [الأعراف: ١٨٧] هُوَ: ﴿كَما بَدَأكم تَعُودُونَ﴾ [الأعراف: ٢٩] و﴿ولَكم في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إلى حِينٍ﴾ [الأعراف: ٢٤] و: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ [الأعراف: ١٨٩] ﴿ولَقَدْ خَلَقْناكم ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ﴾ [الأعراف: ١١] ﴿إنَّما أتَّبِعُ ما يُوحى إلَيَّ مِن رَبِّي﴾ [الأعراف: ٢٠٣] - إلى آخِرِها بَعْدَ التَّنْفِيرِ مِنَ الأنْدادِ - هُوَ: ﴿كِتابٌ أُنْـزِلَ إلَيْكَ فَلا يَكُنْ في صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنهُ﴾ [الأعراف: ٢] - إلى قَوْلِهِ: ﴿ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ قَلِيلا ما تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٣] فَسُبْحانَ مَن هَذا كَلامُهُ، وتَعالى حِجابُهُ وعَزَّ مَرامُهُ، وعَلى مَن أُنْزِلَ عَلَيْهِ صَلاتُهُ وسَلامُهُ، وتَحِيَّتُهُ وإكْرامُهُ.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ عِندَ رَبِّكَ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَیُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ یَسۡجُدُونَ ۩"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق