الباحث القرآني

ولَمّا كانَ الشَّيْطانُ بِعَداوَتِهِ لِبَنِي آدَمَ مُجْتَهِدًا في التَّنْفِيرِ مِن هَذِهِ المَحاسِنِ والتَّرْغِيبِ في أضْدادِها، «وكانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ نُزِعَ مِنهُ حَظُّ الشَّيْطانِ بِطَرْحِ تِلْكَ العَلَقَةِ السَّوْداءِ مِن قَلْبِهِ إذْ شَقَّ جِبْرائِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ صَدْرَهُ وغَسَلَ قَلْبَهُ وقالَ: هَذا حَظُّ الشَّيْطانِ مِنكَ؛» شَرَعَ لِأُمَّتِهِ ما يَعْصِمُهم مِنهُ عِنْدَ نَزْغِهِ مُخاطِبًا لَهُ بِذَلِكَ لِيَكُونَ أدْعى لَهم إلى القَبُولِ وأجْدَرَ بِاشْتِدادِ الخَوْفِ المُقْتَضِي لِلْفِرارِ المُثْمِرِ لِلنَّجاةِ؛ لِأنَّهم إذا عَلِمُوا (p-٢٠٤)قَصْدَ الشَّيْطانِ لِمَن نُزِعَ مِنهُ حَظُّهُ وعُصِمَ مَن كُلِّ مِحْنَةٍ عَلِمُوا أنَّهُ لَهم أشَدُّ قَصْدًا وأعْظَمُ كَيْدًا وصَدًّا، فَقالَ مُؤَكِّدًا بِأنْواعِ التَّأْكِيدِ إشارَةً إلى شِدَّةِ قَصْدِ الشَّيْطانِ لِلْفِتْنَةِ وإفْراطِهِ في ذَلِكَ، لِيُبالِغَ في الحَذَرِ مِنهُ وإنْ كانَ قَصْدُهُ بِذَلِكَ في مَحَلِّ الإنْكارِ لِعِلْمِهِ بِالعِصْمَةِ - لِذَلِكَ عَبَّرَ بِأداةِ الشَّكِّ إشارَةً إلى ضَعْفِ كَيْدِهِ لِلنَّبِيِّ ﷺ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى أعانَهُ عَلى قَرِينِهِ فَأسْلَمَ: ﴿وإمّا﴾ أيْ: إنْ، وأُكِّدَتْ بِ ”ما“ إثْباتًا لِلْمَعْنى ونَفْيًا لِضِدِّهِ ﴿يَنْـزَغَنَّكَ﴾ أيْ: يَنْخَسَنَّكَ نَخْسًا عَظِيمًا ﴿مِنَ الشَّيْطانِ نَـزْغٌ﴾ أيْ: نَخْسٌ بِوَسْوَسَتِهِ مِن شَأْنِهِ أنْ يُزْعِجَ فَيَسُوقَ إلى خِلافِ ما تَقَدَّمَ مِنَ المَحاسِنِ في نَحْوِ غَضَبٍ مِن جَهْلِ الجاهِلِ وسَفَهِ السَّفِيهِ أوْ إفْراطٍ في بَعْضِ أوْجُهٍ كَما تُساقُ الدّابَّةُ بِما تُنْخَسُ بِهِ، فَيُفَسَّرُ ويُجْعَلُ النَّخْسُ ناخِسًا إشارَةً إلى شِدَّتِهِ ﴿فاسْتَعِذْ﴾ أيْ: فَأوْجِدْ أوِ اطْلُبِ العَوْذَ وهو الِاعْتِصامُ ﴿بِاللَّهِ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ جَمِيعُ العِزِّ والعَظَمَةِ والقُدْرَةِ والقَهْرِ لِانْقِطاعِكَ عَنِ الإخْوانِ والأنْصارِ إلَيْهِ فَلا ولِيَّ لَكَ ولا ناصِرَ إلّا هُوَ، فَإنَّهُ إذا أرادَ إعاذَتَكَ ذَكَّرَكَ مِن عَزِيزِ نِعَمِهِ وشَدِيدِ نِقَمِهِ ما يُرِيدُ عَنِ الفَسادِ رَغَبًا ورَهَبًا، والآيَةُ ناظِرَةٌ إلى قَوْلِهِ تَعالى [أوَّلِها]: ﴿لأقْعُدَنَّ لَهم صِراطَكَ المُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف: ١٦] ولَمّا أبْطَلَ تَعالى أنْ يَكُونَ لِشُرَكائِهِمْ سَمْعٌ أوْ عِلْمٌ، صارَ إثْباتُ ذَلِكَ (p-٢٠٥)لَهُ كافِيًا في اخْتِصاصِهِ بِهِ مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلى الحَصْرِ المُتَضَمِّنِ لِنَفْيِهِ عَنْ غَيْرِهِ لِتَقَدُّمِهِ صَرِيحًا بِخِلافِ ما في فُصِّلَتْ، فَقالَ مُعَلِّلًا: ﴿إنَّهُ سَمِيعٌ﴾ أيْ: بالِغُ السَّمْعِ فَهو يَسْمَعُ اسْتِعاذَتَكَ فَيُجِيبُكَ إنْ شاءَ ﴿عَلِيمٌ﴾ شامِلُ العِلْمِ بِما تُرِيدُ ويُرِيدُ مِنكَ عَدُوُّكَ، فَلا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وخَتَمَ بِصِفَةِ العِلْمِ في المَوْضِعَيْنِ لِأنَّ الوَسْوَسَةَ مِن بابِ ما يُعْلَمُ، وخَتَمَها في سُورَةِ المُؤْمِنِ بِالبَصِيرِ المُشْتَقِّ مِنَ البَصَرِ والبَصِيرَةِ؛ لِأنَّ المُسْتَعاذَ مِنهُ أمْرُ النّاسِ ومِنهُ ما يُبْصَرُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب