الباحث القرآني

ثُمَّ سَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ بَيانَ حالِ الحاسِدِ مَعَ المَحْسُودِينَ فِيما سَألَ الإنْظارَ بِسَبَبِهِ، وأنَّهُ وقَعَ عَلى كَثِيرٍ مِن مُرادِهِ واسْتَغْوى مِنهُ أُمَمًا تَجاوَزُوا الحَدَّ وقَصُرَ عَنْهم مَدى العَدِّ. ثُمَّ بَيَّنَ أنَّهُ أقَلُّ مِن أنْ يَكُونَ لَهُ فِعْلٌ، وأنَّ الكُلَّ بِيَدِهِ - سُبْحانَهُ - هو الَّذِي جَعَلَهُ آلَةً لِمُرادِهِ مِنهُ ومِنهم، وأنَّ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهو المُهْتَدِي، ومَن يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هم الخاسِرُونَ، فَقالَ: ﴿فَوَسْوَسَ﴾ أيْ: ألْقى في خَفاءٍ وتَزْيِينٍ وتَكْرِيرٍ واشْتِهاءٍ ﴿لَهُما الشَّيْطانُ﴾ أيْ: بِما مَكَّنَهُ اللَّهُ مِنهُ مِن أنَّهُ يَجْرِي مِنَ الإنْسانِ مَجْرى الدَّمِ ويُلْقِي لَهُ في خَفاءٍ ما يَمِيلُ بِهِ قَلْبُهُ إلى ما يُرِيدُ. ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّةَ الوَسْوَسَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿لِيُبْدِيَ﴾ أيْ: يُظْهِرَ ﴿لَهُما ما وُورِيَ﴾ أيْ: سُتِرَ وغُطِّيَ بِأنْ جُعِلَ كَأنَّهُ وراءَهُما لا يَلْتَفِتانِ إلَيْهِ ﴿عَنْهُما﴾ والبِناءُ لِلْمَفْعُولِ إشارَةً إلى أنَّ السَّتْرَ بِشَيْءٍ لا كُلْفَةَ عَلَيْهِما فِيهِ كَما يَأْتِي في قَوْلِهِ: ﴿يَنْـزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما﴾ [الأعراف: ٢٧] و﴿مِن سَوْآتِهِما﴾ أيْ: المَواضِعِ الَّتِي يَسُوؤُهُما انْكِشافُها، وفي ذَلِكَ أنَّ إظْهارَ السَّوْءَةِ مُوجِبٌ لِلْبُعْدِ مِنَ الجَنَّةِ وأنَّ بَيْنَهُما مَنفِيَّةُ الجَمْعِ وكَمالُ التَّبايُنِ. ولَمّا أخْبَرَ بِالوَسْوَسَةِ وطَوى مَضْمُونَها مُفْهِمًا أنَّهُ أمْرٌ كَبِيرٌ وخِداعٌ (p-٣٧٣)طَوِيلٌ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وقالَ﴾ أيْ: في وسْوَسَتِهِ أيْضًا، أيْ: زَيَّنَ لَهُما ما حَدَثَ بِسَبَبِهِ في خَواطِرِهِما هَذا القَوْلُ: ﴿ما نَهاكُما﴾ وذَكَّرَهُما بِوَصْفِ الإحْسانِ تَذْكِيرًا بِإكْرامِهِ لَهُما تَجْزِئَةً لَهُما عَلى ما يُرِيدُ مِنهُما، فَقالَ: ﴿رَبُّكُما﴾ أيْ: المُحْسِنُ إلَيْكُما بِما تَعْرِفانِهِ مِن أنْواعِ إحْسانِهِ ﴿عَنْ﴾ أيْ: ما جَعَلَ نِهايَتَكُما في الإباحَةِ لِلْجَنَّةِ مُتَجاوِزَةً عَنْ ﴿هَذِهِ الشَّجَرَةِ﴾ جَمَعَ بَيْنَ الإشارَةِ والِاسْمِ زِيادَةً في الِاعْتِناءِ بِالتَّنْصِيصِ ﴿إلا أنْ﴾ أيْ: كَراهِيَةَ أنْ ﴿تَكُونا مَلَكَيْنِ﴾ أيْ: في عَدَمِ الشَّهْوَةِ وفي القُدْرَةِ عَلى الطَّيَرانِ والتَّشَكُّلِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن خَواصِّهِمْ ﴿أوْ تَكُونا﴾ أيْ: بِما يَصِيرُ لَكُما مِنَ الجِبِلَّةِ ﴿مِنَ الخالِدِينَ﴾ أيْ: الَّذِينَ لا يَمُوتُونَ ولا يُخْرَجُونَ مِنَ الجَنَّةِ أصْلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب