الباحث القرآني
ولَمّا كانَ دُعاءُ الجَماعَةِ أقْرَبَ إلى السَّماعِ مِن دُعاءِ الواحِدِ، نَسَّقَ عَلى ما قَبْلَهُ قَوْلَهُ: ﴿وإنْ تَدْعُوهُمْ﴾ أيْ: يا مَن هم أضَلُّ مِنهم وأعْجَزُ ﴿إلى الهُدى﴾ أيْ: إلى الَّذِي هو أشْرَفُ الخِلالِ لِيَهْتَدُوا في نَصْرِ أنْفُسِهِمْ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ ﴿لا يَسْمَعُوا﴾ أيْ: شَيْئًا مِن ذَلِكَ الدُّعاءِ ولا غَيْرِهِ؛ ولَمّا كانَ حالُهم في البَصَرِ بِالنِّسْبَةِ إلى كُلِّ أحَدٍ عَلى حَدٍّ سَواءٍ، قالَ مُفْرِدًا لِلْمُخاطَبِ: ﴿وتَراهُمْ﴾ أيْ: أيُّها النّاظِرُ إلَيْهِمْ ﴿يَنْظُرُونَ إلَيْكَ﴾ أيْ: كَأنَّهم يَنْظُرُونَ لِما صَنَعُوا لَهم مِنَ الأعْيُنِ ﴿وهم لا يُبْصِرُونَ﴾ أيْ: نَوْعًا مِنَ الإبْصارِ، وما أشْبَهَ مَضْمُونَ هَذِهِ الآياتِ بِما في سِفْرِ أنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلَ في نُبُوَّةِ أشْعِيا: هَكَذا يَقُولُ الرَّبُّ مَلِكُ إسْرائِيلَ ومُخَلِّصُهُ: أنا الأوَّلُ وأنا الآخَرُ، ولَيْسَ إلَهٌ غَيْرِي. ومَن مِثْلِي يَدَّعِي ويُظْهِرُ قُوَّتَهُ ويُخْبِرُ بِما كانَ (p-٢٠٠)مُنْذُ بَسَطْتُ الدُّنْيا إلى الأبَدِ، والآياتُ القَدِيمَةُ تَظْهَرُ لِلشُّعُوبِ، فَلا يَفْزَعُونَ ولا يَخافُونَ، ألَمْ أُسْمِعْكم مُنْذُ أوَّلِ الدَّهْرِ وأُظْهِرْها لَكم وأُبَيِّنْ لَكُمُ الأُمُورَ وأنْتُمْ شُهَدائِي أنْ لَيْسَ إلَهٌ غَيْرِي، ولَيْسَ عَزِيزٌ مَنِيعٌ إلّا وأنا أعَزُّ مِنهُ؛ لِأنَّ جَمِيعَ الصُّنّاعِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الأصْنامَ إنَّما عَمَلُهم باطِلٌ ولَيْسَ في أعْمالِهِمْ مَنفَعَةٌ، وأنَّ الصُّنّاعَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَها هم يَشْهَدُونَ عَلَيْها أنَّها لا تُبْصِرُ ولا تَسْمَعُ ولا تَعْلَمُ، لِذَلِكَ يُخْزى جَمِيعُ صُنّاعِ الأوْثانِ المَسْبُوكَةِ؛ لِأنَّ جَمِيعَ ما صَنَعُوا لا عَقْلَ لَهُ، فَيُجْمَعُونَ كُلُّهم ويُخْزَوْنَ ويَفْتَضِحُونَ لِأنَّ النَّجّارَ نَحَتَ بِحَدِيدِهِ وهَيَّأ صَنَمًا بِمِنقارِهِ وسَدَّدَهُ بِقُوَّةِ ساعِدِهِ وجاعَ وعَطِشَ في عَمَلِهِ. والنَّجّارُ اخْتارَ خَشَبَةً وقَدَّرَها وألْصَقَ بَعْضَها بِبَعْضٍ بِالغِراءِ ورَكَّبَها وعَمِلَها كَشِبْهِ الإنْسانِ، أقامَ مِنَ الخَشَبِ الَّذِي قَطَعَ مِنَ الغَيْضَةِ كَشِبْهِ رَجُلٍ الَّذِي نَبَتَ مِن شُرْبِ المَطَرِ لِيَصِيرَ لِلنّاسِ لِلْوَقُودِ فَعَمِلُوهُ لَهم إلَهًا وعَبَدُوهُ وسَجَدُوا لَهُ، الَّذِي يُنْصِفُهُ خَبَزُوا لَهم خُبْزًا وشَوَوْا لَهم لَحْمًا عَلى جَمْرَةٍ وأكَلُوا وشَرِبُوا واصْطَلَوْا وقالُوا: قَدْ حَمَيْنا لِأنّا قَدْ أوْقَدْنا نارًا واصْطَلَيْنا، والَّذِي بَقِيَ مِنهُ اتَّخَذُوهُ إلَهًا مَنحُوتًا وسَجَدُوا لَهُ وصَلَّوْا وقالُوا: نَجِّنا لِأنَّكَ إلَهُنا.
ولَمْ يَخْطُرْ عَلى بالِهِمْ فِكْرُ أنْ يَقُولُوا: إنّا قَدْ أوْقَدْنا نِصْفَهُ بِالنّارِ، وخَبَزْنا خُبْزَنا وشَوَيْنا عَلى جَمْرِهِ اللَّحْمَ وأكَلْنا، ولَمْ يَعْلَمُوا أنَّ باقِيَهُ عُمِلَ مِنهُ صَنَمٌ وسَجَدُوا لَهُ؛ لِأنَّ قُلُوبَهم مُتَمَرِّغَةٌ في رَمادِهِ، وضَلَّتْ عُقُولُهم فَلا يَقْدِرُونَ يُنَجُّونَ أنْفُسَهم ولا يَقُولُونَ: إنَّ أيادِيَنا عَمِلَتِ الباطِلَ (p-٢٠١)واتَّخَذَتِ الكَذِبَ، ثُمَّ قالَ: ألَيْسَ أنا الرَّبُّ مُنْذُ أوَّلُ، ولَيْسَ إلَهٌ غَيْرِي ولا مُخَلِّصَ سِوايَ، ادْنُوا إلَيَّ يا جَمِيعَ الَّذِينَ في أقْطارِ الأرْضِ لِتَنْجُوا لِأنِّي أنا الرَّبُّ ولَيْسَ إلَهٌ غَيْرِي، حَلَفْتُ بِيَمِينِي وأخْرَجْتُ كَلِمَةَ صِدْقٍ ولَسْتُ أرْجِعُ عَنْها لِأنَّهُ لِي تَنْحَنِيَ كُلُّ رُكْبَةٍ، وبِي يَحْلِفُ كُلُّ إنْسانٍ ويَقُولُ: إنَّما البَرُّ بِالرَّبِّ، وإلَيْهِ تَدْنُو الأعِزّاءُ ويُخْزى جَمِيعُ المُبْغِضِينَ، وبِي يُمْتَدَحُ ويُتَبَرَّرُ، بِمَن شَبَّهْتُمُونِي؟ وإلى مَن نَسَبْتُمُونِي؟ بِالضّالِّينَ الَّذِينَ أخْرَجُوا الذَّهَبَ مِن أكْياسِهِمْ ووَزَنُوا الفِضَّةَ بِالمِيزانِ واكْتَرُوا الصُّنّاعَ حَتّى عَمِلُوا لَهم آلِهَةً يَسْجُدُونَ لَها ويَحْمِلُونَها عَلى أكْتافِهِمْ ويَمْشُونَ بِها ثُمَّ يُصَلُّونَ لَها ويَدْعُونَها لا تُجِيبُهم ولا تُخَلِّصُهم مِن شَدائِدِهِمْ ثُمَّ يَحْمِلُونَها أيْضًا ويَرُدُّونَها إلى مَواضِعِها، اذْكُرُوا هَذِهِ الأشْياءَ واعْقِلُوا أيُّها الأثَمَةُ وأخْطِرُوها عَلى قُلُوبِكم وتَذَكَّرُوا الأيّامَ الَّتِي كانَتْ مِنَ الِابْتِداءِ، إنِّي أنا اللَّهُ الخالِقُ ولَيْسَ إلَهٌ غَيْرِي ولا مِثْلِي، فَأنا أُظْهِرُ العَتِيداتِ وأُخْبِرُ بِالَّذِي يَكُونُ قَبْلَ أنْ يَكُونَ، وأُثَبِّتُ رَأْيِي وأُكْمِلُ إراداتِي وهَوايَ، وأدْعُو مَن في المَشارِقِ فَيَأْتُونَ أسْرَعَ مِنَ الطَّيْرِ، وأتانِي الرَّجُلُ الَّذِي قَدْ عَمِلَ مَسَرَّتِي مِنَ الأرْضِ البَعِيدَةِ، لِأنِّي أنا إذا تَكَلَّمْتُ بِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ. أنا خَلَقْتُ وأنا أخْلُقُ؛ وفي الزَّبُورِ في المَزْمُورِ الثّالِثَ عَشَرَ بَعْدَ المائِهِ: إلَهَنا في الأرْضِ، كُلَّ ما يَشاءُ يَصْنَعُ، أوْثانُ الأُمَمِ ذَهَبٌ وفِضَّةٌ عَمَلُ أيْدِي (p-٢٠٢)البَشَرِ، لَها أفْواهٌ ولا تَتَكَلَّمُ، لَها أعْيُنٌ ولا تَنْظُرُ، لَها آذانٌ ولا تَسْمَعُ، وآنافٌ ولا تَشُمُّ، وأيْدٍ ولا تَلْمِسُ، وأرْجُلٌ ولا تَمْشِي، ولا صَوْتَ بِحَناجِرِها ولا رُوحَ في أفْواهِها، فَلْيُكُنْ صانِعُوها مِثْلَها وجَمِيعُ مَن يَتَوَكَّلُ عَلَيْها. انْتَهى.
{"ayah":"وَإِن تَدۡعُوهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ لَا یَسۡمَعُوا۟ۖ وَتَرَىٰهُمۡ یَنظُرُونَ إِلَیۡكَ وَهُمۡ لَا یُبۡصِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











