الباحث القرآني

ولَمّا أوْجَبَ لَهُ ما ذَكَرَ مِنَ الشَّقاوَةِ - تَمادِيهِ في الحَسَدِ وكَثْرَةِ كَلامِهِ (p-٣٧١)فِي مَحْسُودِهِ - التَفَتَ إلى مَحْسُودِهِ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ كَلِمَةً واحِدَةً، بَلْ اشْتَغَلَ بِنَفْسِهِ في البُكاءِ عَلى ذَنْبِهِ، واكْتَفى بِفِعْلِ رَبِّهِ بِما يُنْجِيهِ مِن حَبائِلِ مَكْرِهِ الَّتِي نَصَبَها بِما ذَكَرَ، لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبَ سَعادَتِهِ، فَقالَ عَطْفًا عَلى ﴿اخْرُجْ مِنها﴾ [الأعراف: ١٨] ﴿ويا آدَمُ اسْكُنْ﴾ ولَمّا كانَ المُرادُ بِهَذا الأمْرِ هو نَفْسُهُ لا التَّجَوُّزُ بِهِ عَنْ بَعْضِ مَن يُلابِسُهُ، أكَّدَ ضَمِيرَهُ لِتَصْحِيحِ العَطْفِ ورَفْعِ التَّجَوُّزِ، فَقِيلَ: ﴿أنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ﴾ ولَمّا كانَ السِّياقُ هُنا لِلتَّعَرُّفِ بِأنَّهُ مَكَّنَ لِأبِينا في الجَنَّةِ أعْظَمَ مِن تَمْكِينِهِ لَنا في الأرْضِ بِأنْ حَباهُ فِيها رَغَدَ العَيْشِ مُقارِنًا لِوُجُودِهِ؛ ثُمَّ حَسُنَ في قَوْلِهِ: ﴿فَكُلا﴾ العَطْفُ بِالفاءِ الدّالِّ عَلى أنَّ المَأْكُولَ كانَ مَعَ الإسْكانِ، لَمْ يَتَأخَّرْ عَنْهُ، ولا مُنافاةَ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّعْبِيرِ بِالواوِ في البَقَرَةِ؛ لِأنَّ مَفْهُومَ الفاءِ نَوْعٌ داخِلٌ تَحْتَ مَفْهُومِ الواوِ، ولا مُنافاةَ بَيْنَ النَّوْعِ والجِنْسِ، وقَوْلُهُ: ﴿مِن حَيْثُ شِئْتُما﴾ بِمَعْنى رَغَدًا أيْ: واسِعًا، فَإنَّهُ يَدُلُّ عَلى إباحَةِ الأكْلِ مِن كُلِّ شَيْءٍ فِيها غَيْرَ المَنهِيِّ عَنْهُ، وأمّا آيَةُ البَقَرَةِ فَتَدُلُّ عَلى إباحَةِ الأكْلِ مِنها في أيِّ مَكانٍ كانَ، وهَذا السِّياقُ إلى آخِرِهِ مُشِيرٌ إلى أنَّ مَن خالَفَ أمْرَهُ تَعالى ثُلَّ عَرْشُهُ وهُدِمَ عِزُّهُ وإنْ كانَ في غايَةِ المُكْنَةِ ونِهايَةِ القُوَّةِ كَما أخْرَجَ مَن أعْظَمَ لَهُ المُكْنَةَ بِإسْجادِ مَلائِكَتِهِ وإسْكانِ جَنَّتِهِ وإباحَةِ كُلِّ ما فِيها غَيْرَ شَجَرَةٍ واحِدَةٍ - أكَّدَ تَحْرِيمَها بِالنَّهْيِ عَنْ قُرْبانِها دُونَ الِاكْتِفاءِ بِالنَّهْيِ عَنْ غَشَيانِها فَقالَ: (p-٣٧٢)﴿ولا تَقْرَبا﴾ أيْ: فَضْلًا عَنْ أنَّ تَتَناوَلا ﴿هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ مُشِيرًا إلى شَجَرَةٍ بِعَيْنِها أوْ نَوْعِها. ثُمَّ سَبَّبَ عَنِ القُرْبانِ العِصْيانَ، فَإنَّ مَن حامَ حَوْلَ الحِمى أوْشَكَ أنْ يُواقِعَهُ، فَقالَ: ﴿فَتَكُونا﴾ أيْ: بِسَبَبِ قُرْبِها ﴿مِنَ الظّالِمِينَ﴾ أيْ: بِالأكْلِ مِنها الَّذِي هو مَقْصُودُ النَّهْيِ فَتَكُونا بِذَلِكَ فاعِلَيْنِ فِعْلَ مَن يَمْشِي في الظَّلامِ؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب