الباحث القرآني

ولَمّا كانَ عِلْمُ الغَيْبِ مَلْزُومًا لِجَلْبِ الخَيْرِ ودَفْعِ الضَّيْرِ، وكانَتِ السّاعَةُ أدَقَّ عِلْمِ الغَيْبِ، أمَرَهُ بِنَفْيِ هَذا اللّازِمِ فَيَنْتَفِي الأعَمُّ فَيَنْتَفِي بِانْتِفائِهِ الأخَصُّ، وقَدَّمَ النَّفْعَ لِأنَّهُ أهَمُّ إلى النَّفْسِ، ولَيْسَ في السِّياقِ ما يُوجِبُ تَأْخِيرَهُ بِخِلافِ ما في سُورَةِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقالَ آمِرًا بِإظْهارِ ذُلِّ العُبُودِيَّةِ: ﴿قُلْ لا أمْلِكُ﴾ أيْ: في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ أصْلًا ﴿لِنَفْسِي نَفْعًا﴾ أيْ: شَيْئًا مِن جَلْبِ النَّفْعِ قَلِيلًا ولا كَثِيرًا ﴿ولا ضَرًّا﴾ كَذَلِكَ، فَإنَّ قُدْرَتِي قاصِرَةٌ وعِلْمِي قَلِيلٌ، وكُلُّ مَن كانَ عَبْدًا كانَ كَذَلِكَ. ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ بَلِ المُشاهَدِ أنَّ كُلَّ حَيَوانٍ يَضُرُّ ويَنْفَعُ، أعْلَمَ أنَّ ذَلِكَ إنَّما هو بِاللَّهِ فَقالَ: ﴿إلا ما شاءَ اللَّهُ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ ولا أمْرَ لِأحَدٍ سِواهُ أنْ يُقْدِرَنِي عَلَيْهِ. (p-١٨٨)ولَمّا بَيَّنَ لَهم بِهَذا أنَّ سُؤالَهم عَنِ السّاعَةِ وغَيْرِها مِنَ المُغَيَّباتِ جَهْلٌ مِنهُمْ؛ لِأنَّ حالَهُ واضِحٌ في أنَّهُ لا يَعْلَمُ مِن ذَلِكَ إلّا ما عَلَّمَهُ اللَّهُ الَّذِي اخْتَصَّ بِعِلْمِ الغَيْبِ، دَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿ولَوْ كُنْتُ﴾ أيْ: مِن ذاتِي ﴿أعْلَمُ الغَيْبَ﴾ أيْ: جِنْسَهُ ﴿لاسْتَكْثَرْتُ﴾ أيْ: أوْجَدْتُ لِنَفْسِي كَثِيرًا ﴿مِنَ الخَيْرِ﴾ بِاسْتِجْلابِ المَنافِعِ بِنَصْبِ أسْبابِها. ولَمّا كانَ الضُّرُّ لا يُحْتَمَلُ مِنهُ شَيْءٌ قالَ: ﴿وما مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ أيْ: هَذِهِ الجِنْسُ بِإقامَةِ المَوانِعِ لَهُ عَنِّي لِأنَّ لازِمَ إحاطَةِ العِلْمِ شُمُولُ القُدْرَةِ كَما سَيُقَرَّرُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى في سُورَةِ طه، ولَمّا بَيَّنَ أنَّ عِلْمَ الغَيْبِ رُتْبَةُ الإلَهِ، خَتَمَ الآيَةَ بِبَيانِ رُتْبَتِهِ، فَقالَ قالِبًا ما ادَّعَوْهُ فِيهِ مِنَ الجُنُونِ لِما بانَ بِقَوْلِهِ: ”يا بَنِي عَبْدِ مَنافٍ! اتَّقُوا اللَّهَ، يا بَنِي فُلانٍ يا بَنِي فُلانِ“ وكَذا ما لَزِمَ عَنْ إلْزامِهِمْ لَهُ بِعِلْمِ السّاعَةِ مِن أنَّهُ يَكُونُ إلَهًا: ﴿إنْ أنا إلا﴾ ولَمّا كانَتِ السُّورَةُ لِلْإنْذارِ، قَدَّمَهُ فَقالَ: ﴿نَذِيرٌ﴾ أيْ: مُطْلَقًا لِلْكافِرِ لِيَرْجِعَ عَنْ كُفْرِهِ، والمُؤْمِنِ لِيَثْبُتَ عَلى إيمانِهِ ﴿وبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أيْ: خاصَّةً، أوِ الصِّفَتانِ لَهم خاصَّةً بِالنَّظَرِ إلى النَّفْعِ، وأمّا ما لا نَفْعَ فِيهِ فَعَدَمٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب