الباحث القرآني

ولَمّا بَيَّنَ حالَ الهادِينَ المَهْدِيِّينَ، وكانَ أصْلُ السِّياقِ الضّالِّينَ المُضِلِّينَ، أتْبَعَهُ بَقِيَّةَ الحَدِيثِ عَنْهم عَلى وجْهٍ مُلَوِّحٍ بِأنَّ عِلَّةَ الهِدايَةِ التَّوْفِيقُ، فَقالَ عاطِفًا عَلى تَقْدِيرِهِ: فَنَحْنُ نُعْلِي أمْرَهم ونُطَيِّبُ ذِكْرَهُمْ: ﴿والَّذِينَ كَذَّبُوا﴾ أيْ: نَسَبُوا الرُّسُلَ إلى الكَذِبِ بِسَبَبِ إتْيانِهِمْ ﴿بِآياتِنا﴾ عَلى ما يُشاهَدُ مِن عَظَمَتِها ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ﴾ أيْ: نَسْتَنْزِلُهم ونَسْتَدْنِيهِمْ بِوَعْدٍ لا خُلْفَ فِيهِ إلى ما نُرِيدُ بِهِمْ مِنَ الشَّرِّ العَظِيمِ دَرَجَةً دَرَجَةً بِسَبَبِ أنَّهم كُلَّما أحْدَثُوا جَرِيمَةً أسْبَغْنا عَلَيْهِمْ نِعْمَةً، وإذا عَمِلُوا طاعَةً قَصَّرْنا عَنْهم في الإنْعامِ، أوْ ضَرَبْناهم بِسَوْطِ الِانْتِقامِ، فَيَظُنُّونَ أنَّ المَعاصِيَ سَبَبُ النِّعَمِ فَيَنْسَلِخُونَ مِنَ الدِّينِ، ولِذَلِكَ قالَ: ﴿مِن حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ أيْ: فَيَرْتَكِبُونَ ما يُتَعَجَّبُ مِن مُداناتِهِ فَضْلًا عَنْ مُباشَرَتِهِ ومُعاناتِهِ مَن لَهُ أدْنى بَصِيرَةٍ حَتّى يَكْمُلَ ما نُرِيدُ مِنهم مَنِ المَعاصِي، وهو مِن أدِلَّةِ ﴿سَأصْرِفُ عَنْ آياتِيَ﴾ [الأعراف: ١٤٦] [وأتى] في الِاسْتِدْراجِ بِأداةِ العَظَمَةِ وفي الإمْلاءِ بِضَمِيرِ الواحِدِ فَقالَ: ﴿وأُمْلِي لَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٨٣] أيْ: أمْهِلُهم (p-١٧٩)بِوَعْدٍ جازِمٍ زَمانًا طَوِيلًا وأُمِدُّ لَهم وهم يَعْصُونَ حَتّى يَظُنُّونَ أنَّ اللَّهَ يُحِبُّهم حَتّى يَزِيدُوا في ذَلِكَ لِأنَّهم لا يَفْعَلُونَ شَيْئًا إلّا بِمُرادِي ولا يَفُوتُونَنِي ولَمْ يَأْتِ بِهِما عَلى نَهْجٍ واحِدٍ؛ لِأنَّ الِاسْتِدْراجَ يَكُونُ بِواسِطَةٍ وبِغَيْرِها، فَكَأنَّهُ قالَ: سَأسْتَدْرِجُهم بِنَفْسِي مِن غَيْرِ واسِطَةٍ تارَةً وبِمَن أُتِيحَ لَهُمُ النِّعَمُ عَلى يَدِهِ مِن عَبِيدِي وجُنُودِي أُخْرى، وأمّا الإمْلاءُ وهو تَطْوِيلُ الأجَلِ - فَلا يُتَصَوَّرُ أنْ يَكُونَ إلّا مِنَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب