الباحث القرآني
ولَمّا ذَكَرَ لَهم ما أُخِذَ عَلَيْهِمْ في كِتابِهِمْ مِنَ المِيثاقِ الخاصِّ الَّذِي انْسَلَخُوا مِنهُ، وأتْبَعَهُ المِيثاقَ العامَّ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الأعْذارَ، أتْبَعَهُما بَيانَ ما يَعْرِفُونَهُ مِن حالِ مَنِ انْسَلَخَ مِنَ الآياتِ، فَأسْقَطَهُ اللَّهُ مِن دِيوانِ السُّعَداءِ، فَأمَرَهُ ﷺ أنْ يَتْلُوَ عَلَيْهِمْ؛ لِأنَّهُ - مَعَ الوَفاءِ بِتَبْكِيتِهِمْ - مِن أدِلَّةِ نُبُوَّتِهِ المُوجِبَةِ عَلَيْهِمُ اتِّباعَهُ، فَذَكَّرَهُ ما وقَعَ لَهُ في نَبْذِ العَهْدِ والِانْسِلاخِ مِنَ المِيثاقِ بَعْدَ أنْ كانَ قَدْ أُعْطِيَ الآياتِ وأُفْرِغَ عَلَيْهِ مِنَ الرُّوحِ فَقالَ: ﴿واتْلُ﴾ أيِ: اقْرَأْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ أيِ: اليَهُودِ وسائِرِ الكُفّارِ بَلِ الخَلْقِ كُلِّهِمْ ﴿نَبَأ الَّذِي﴾ وعَظَّمَ ما أعْطاهُ بِمَظْهَرِ العَظَمَةِ ولَفْظِ الإيتاءِ بَعْدَ ما عَظَّمَ خَبَرَهُ بِلَفْظِ الإنْباءِ فَقالَ: ﴿آتَيْناهُ﴾ (p-١٥٧)ولَمّا كانَ تَعالى قَدْ أعْطاهُ مِن إجابَةِ الدُّعاءِ وصِحَّةِ الرُّؤْيا وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا شاءَ سُبْحانَهُ أمْرًا عَظِيمًا بِحَيْثُ دَلَّهُ تَعالى دَلالَةً لا شَكَّ فِيها، وكانَتِ الآياتُ كُلُّها مُتَساوِيَةَ الأقْدامِ في الدَّلالَةِ وإنْ كانَ بَعْضُها أقْوى مِن بَعْضٍ، قالَ تَعالى: ﴿آياتِنا﴾ وهو بِلْعامُ مِن غَيْرِ شَكٍّ لِلسِّباقِ واللَّحاقِ، وقِيلَ: وهو رَجُلٌ بَعَثَهُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ إلى مَلِكِ مَدْيَنَ فَرَشاهُ فَتَبِعَ دِينَهُ فافْتُتِنَ بِهِ النّاسُ، وقِيلَ: هو «أُمَيَّةُ بْنُ أبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ الَّذِي قالَ فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ ”آمَنَ شِعْرُهُ وكَفَرَ قَلْبُهُ“» قالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وسَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ، وقِيلَ: هو أبُو عامِرٍ الرّاهِبُ الَّذِي سَمّاهُ النَّبِيُّ ﷺ الفاسِقَ، وقِيلَ: نَزَلَتْ في مُنافِقِي أهْلِ الكِتابِ كانُوا يَعْرِفُونَ النَّبِيَّ ﷺ فَأنْكَرُوهُ.
ولَمّا كانَ الَّذِي جَرَّأهم عَلى عَظَمَتِهِ سُبْحانَهُ ما أنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِهِ مِن إعْطاءِ الكِتابِ ظَنًّا مِنهم أنَّهُ لا يُشْقِيهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، رَهَّبَهم بِبَيانِ أنَّ الَّذِي سَبَّبَ لَهُ هَذا الشَّقاءَ هو إيتاءُ الآياتِ فَقالَ: ﴿فانْسَلَخَ مِنها﴾ أيْ: فارَقَها بِالكَيْلَةِ كَما تَنْسَلِخُ الحَيَّةُ مِن قِشْرِها، وذَلِكَ بِسَبَبِ أنَّهُ لَمّا كانَ مُجابَ الدَّعْوَةِ سَألَهُ مَلِكُ زَمانِهِ الدُّعاءَ عَلى مُوسى وقَوْمِهِ فامْتَنَعَ فَلَمْ يَزَلْ يُرَغِّبُهُ حَتّى خالَفَ أمْرَ اللَّهِ اتِّباعًا لِهَوى نَفْسِهِ، فَتَمَكَّنَ مِنهُ الشَّيْطانِ وأشارَ عَلَيْهِ أنْ يُرْسِلَ إلَيْهِمُ النِّساءَ مُزَيَّناتٍ ويَأْمُرَهُنَّ أنْ لا يَمْتَنِعْنَ مِن أحَدٍ، فَأشْقاهُ اللَّهُ، وهَذا مَعْنى: ﴿فَأتْبَعَهُ الشَّيْطانُ﴾ أيْ: فَأدْرَكَهُ مَكْرُهُ فَصارَ قَرِينًا لَهُ (p-١٥٨)﴿فَكانَ﴾ أيْ: فَتَسَبَّبَ عَنْ إدْراكِ الشَّيْطانِ لَهُ أنْ كانَ ﴿مِنَ الغاوِينَ﴾ أيِ: الضّالِّينَ الرّاكِبِينَ هَوى نُفُوسِهِمْ، وعَبَّرَ في هَذِهِ القِصَّةِ بِقَوْلِهِ: ﴿اتْلُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] دُونَ ﴿واسْألْهم عَنِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] نَحْوَ ما مَضى في القَرْيَةِ؛ لِأنَّ هَذا الخَبَرَ مِمّا يُحِبُّونَ ذِكْرَهُ لِأنَّ سَلْخَهُ مِنَ الآياتِ كانَ لِأجْلِهِمْ، فَهو شَرَفٌ لَهُمْ، فَلَوْ سَألَهم عَنْهُ لَبادَرُوا إلى الإخْبارِ بِهِ ولَمْ يَتَلَعْثَمُوا فَلا تَكُونُ تِلاوَتُهُ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ لِما أُنْزِلَ في شَأْنِهِ واقِعًا مَوْقِعَ ما لَوْ أخْبَرَهم بِهِ قَبْلُ، ولَعَلَّ المَقْصُودَ الأعْظَمَ مِن هَذِهِ الآيَةِ والَّتِي قَبْلَها الِاسْتِدْلالُ عَلى كَذِبِ دَعْواهم في قَوْلِهِمْ: ﴿سَيُغْفَرُ لَنا﴾ [الأعراف: ١٦٩] بِما هم قائِلُونَ بِهِ، فَيَكُونُ مِن بابِ الإلْزامِ، وكَأنَّهُ قِيلَ: أنْتُمْ قائِلُونَ بِأنَّ مَن أشْرَكَ لا يُغْفَرُ لَهُ لِتَرْكِهِ ما نُصِبَ لَهُ مِنَ الأدِلَّةِ حَتّى إنَّكم لَتَقُولُونَ: ﴿لَيْسَ عَلَيْنا في الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥] لِذَلِكَ، فَما لَكم تُوَسِّعُونَ المَغْفِرَةَ لَكم في تَرْكِ ما أُخِذَ عَلَيْكم بِهِ المِيثاقُ الخاصُّ وقَدْ ضَيَّقْتُمُوها عَلى غَيْرِكم في تَرْكِ ما أُخِذَ عَلَيْهِمْ بِهِ المِيثاقُ العامُّ؟ ما ذَلِكَ إلّا مُجَرَّدُ هَوًى، فَإنْ قُلْتُمُ: الأمْرُ في أصْلِ التَّوْحِيدِ أعْظَمُ فَلا يُقاسُ عَلَيْهِ، قِيلَ لَكُمْ: ألَيْسَ المَعْبُودُ قَدْ حَرَّمَ الجَمِيعَ؟ وعَلى التَّنَزُّلِ فَمِنَ المَسْطُورِ في كِتابِكم أمْرُ بِلْعامَ وأنَّهُ ضَلَّ، وقَدْ كانَ أعْظَمَ مِن أحْبارِكُمْ، فَإنّا آتَيْناهُ الآياتِ مِن غَيْرِ واسِطَةِ رَسُولٍ، وكانَ سَبَبُ هَلاكِهِ - كَما تَعْلَمُونَ - وخُرُوجِهِ مِن رِبْقَةِ الدِّينِ وإحْلالِهِ دَمَهُ مَشُورَتَهُ عَلى مَلِكِ زَمانِهِ بِأنْ يُرْسِلَ (p-١٥٩)النِّساءَ إلى عَسْكَرِ بَنِي إسْرائِيلَ مُتَزَيِّناتٍ غَيْرَ مُمْتَنِعاتٍ مِمَّنْ أرادَهُنَّ، وذَلِكَ مِنَ الفُرُوعِ الَّتِي هي أخَفُّ مِن بابِ الأمْوالِ، فَقَدْ بُحْتُمْ كَذِبَكم في قَوْلِكُمْ: ﴿سَيُغْفَرُ لَنا﴾ [الأعراف: ١٦٩] وأنَّكم لَمْ تَتَّبِعُوا فِيهِ إلّا الهَوى كَما تَبِعَهُ بِلْعامُ فانْظُرُوا ما فُعِلَ بِهِ.
{"ayah":"وَٱتۡلُ عَلَیۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِیۤ ءَاتَیۡنَـٰهُ ءَایَـٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق