الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ الكِتابُ أنَّهُ رَهَّبَهم مِن مُخالَفَتِهِ ورَغَّبَهم في مُؤالَفَتِهِ، وكانَ عَذابُ الآخِرَةِ مُسْتَقْبَلًا وغائِبًا، وكانَ ما هَذا شَأْنُهُ يُؤَثِّرُ في الجامِدِينَ، أمَرَهُ أنْ يُذَكِّرَهم بِتَرْهِيبٍ دُنْيَوِيٍّ مَضى إيقاعُهُ بِهِمْ، لِيَأْخُذُوا مَواثِيقَ الكِتابِ لِغايَةِ الجِدِّ مَعَ أنَّهُ لا يَعْلَمُهُ إلّا عُلَماؤُهُمْ، فَيَكُونُ (p-١٥٠)عِلْمُ الأُمِّيِّ لَهُ مِن أعْلامِ نُبُوَّتِهِ الظّاهِرَةِ فَقالَ: ﴿وإذْ﴾ أيِ: اذْكُرْ لَهم هَذا، فَإنْ لَمْ يَتَّعِظُوا اذْكُرْ لَهم إذْ ﴿نَتَقْنا﴾ أيْ: قَلَعْنا ورَفَعْنا، [و] أتى بِنُونِ العَظَمَةِ لِزِيادَةِ التَّرْهِيبِ ﴿الجَبَلَ﴾ عَرَّفَهُ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِهِ، [وعَبَّرَ لِدَلالَةِ لَفْظِهِ عَلى الصُّعُوبَةِ والشِّدَّةِ دُونَ الطُّورِ - كَما في البَقَرَةِ - لِأنَّ السِّياقَ لِبَيانِ نَكَدِهِمْ بِإسْراعِهِمْ في المَعاصِي الدّالَّةِ عَلى غِلَظِ القَلْبِ]. ولَمّا كانَ مُسْتَغْرِقًا لِجَمِيعِ الجِهَةِ المُوازِيَةِ لِعَساكِرِهِمْ، حَذَفَ الجارَّ فَقالَ: ﴿فَوْقَهُمْ﴾ [ثُمَّ بَيَّنَ أنَّهُ كانَ أكْبَرَ مِنهم بِقَوْلِهِ:] ﴿كَأنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ أيْ: سَقْفٌ، وحَقَّقَ أنَّهُ صارَ عَلَيْهِمْ مُوازِيًا لَهم مِن جِهَةِ الفَوْقِ كالسَّقْفِ بِقَوْلِهِ: ﴿وظَنُّوا﴾ هو عَلى حَقِيقَتِهِ ﴿أنَّهُ واقِعٌ﴾ ولَمّا كانَ ما تَقَدَّمَ قَدْ حَقَّقَ العُلُوَّ، لَمْ يَحْتَجْ إلى حَرْفِ الِاسْتِعْلاءِ، فَقالَ مُشِيرًا إلى السُّرْعَةِ واللُّصُوقِ: ﴿بِهِمْ﴾ أيْ: إنْ لَمْ يَأْخُذُوا عُهُودَ التَّوْراةِ، قالُوا: ولَمّا رَأوْا ذَلِكَ خَرَّ كُلٌّ مِنهم ساجِدًا عَلى حاجِبِهِ الأيْسَرِ، وصارَ يَنْظُرُ بِعَيْنِهِ اليُمْنى إلى الجَبَلِ فَزَعًا مِن سُقُوطِهِ، وهي سُنَّةٌ لَهم في سُجُودِهِمْ إلى الآنِ، يَقُولُونَ: هَذِهِ السَّجْدَةُ الَّتِي رُفِعَتْ عَنّا بِها العُقُوبَةُ. ولَمّا كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فَقالُوا: أخَذْنا يا رَبِّ عُهُودَكَ، قالَ مُشِيرًا إلى عَظَمَتِهِ لِيَشْتَدَّ إقْبالُهم عَلَيْهِ إشارَةً إلى أنَّهُ عِلَّةُ رَفْعِ الجَبَلِ: ﴿خُذُوا ما آتَيْناكُمْ﴾ أيْ: بِعَظَمَتِنا، فَهو جَدِيرٌ بِالإقْبالِ عَلَيْهِ وأنْ يُعْتَقَدَ فِيهِ الكَمالُ، وأكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿بِقُوَّةٍ﴾ أيْ: عَزْمٍ عَظِيمٍ عَلى احْتِمالِ (p-١٥١)مَشاقِّهِ؛ ولَمّا كانَ الأخْذُ لِلشَّيْءِ بِقُوَّةٍ رُبَّما نَسِيَهُ في وقْتٍ، قالَ: ﴿واذْكُرُوا ما فِيهِ﴾ أيْ: [مِنَ الأوامِرِ والنَّواهِي وغَيْرِهِما] فَلا تَنْسَوْهُ ﴿لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ أيْ: لِيَكُونَ حالُكم حالَ مَن يُرْجى تَقْواهُ، فَدَلَّ سُبْحانَهُ بِهَذا عَلى تَأْكِيدِ المَواثِيقِ عَلَيْهِمْ في أخْذِ جَمِيعِ ما في الكِتابِ الَّذِي مِن جُمْلَتِهِ ألّا تَقُولُوا عَلى اللَّهِ إلّا الحَقَّ ولا تَكْتُمُوا شَيْئًا مِنهُ، قالُوا: ولَمّا قَرَأ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ [الألْواحَ وفِيها كِتابُ اللَّهِ لَمْ يَبْقَ عَلى الأرْضِ شَجَرٌ ولا جَبَلٌ ولا حَجَرٌ إلّا اهْتَزَّ، فَلِذَلِكَ لا تَرى يَهُودِيًّا يَسْمَعُ التَّوْراةَ إلّا اهْتَزَّ وانْقَضَّ رَأْسُهُ].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب