الباحث القرآني

ولَمّا كانَ قَدْ أقامَ نَفْسَهُ في ذَلِكَ بِغايَةِ الجِدِّ، فَهو يَفْعَلُ فِيهِ بِالوَسْوَسَةِ - بِنَفْسِهِ ومَن أطاعَهُ مِن شَياطِينِ الجِنِّ والإنْسِ - ما يَفُوتُ الحَدَّ ويُعْجِزُ القُوى - أشارَ إلَيْهِ بِحَرْفِ التَّراخِي، فَقالَ مُؤَكِّدًا: ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ﴾ أيْ: إتْيانًا لا بُدَّ لِي مِنهُ كائِنًا ابْتِداؤُهُ ﴿مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ﴾ أيْ: مُواجَهَةً، فَأحْمِلُهم عَلى أنْ يَفْعَلُوا ما يَعْلَمُونَ أنَّهُ خَطَأٌ ”و“ كائِنًا ”مِن خَلْفِهِمْ“ أيْ: مُغافَلَةً، فَيَعْمَلُونَ ما هو فاسِدٌ في غايَةِ الفَسادِ ولا شُعُورَ لَهم بِشَيْءٍ (p-٣٦٩)مِن فَسادِهِ حِينَ تَعاطِيهِ فَأدُلُّهم بِذَلِكَ عَلى تَعاطِي مِثْلِهِ وهم لا يَشْعُرُونَ ﴿وعَنْ﴾ أيْ: ومُجاوِزًا لِلْجِهَةِ الَّتِي عَنْ ﴿أيْمانِهِمْ﴾ إلَيْهِمْ ﴿وعَنْ﴾ أيْ: ومُجاوِزًا لِما عَنْ ﴿شَمائِلِهِمْ﴾ أيْ: مُخايَلَةً، فَيَفْعَلُونَهُ وهو مُشْتَبَهٌ عَلَيْهِمْ، وهَذِهِ هي الجِهاتُ الَّتِي يُمْكِنُ الإتْيانُ مِنها، ولَعَلَّ فائِدَةَ (عَنْ) المُفْهِمَةِ لِلْمُجاوَزَةِ وصْلُ خُطى القُدّامِ والخَلْفِ لِيَكُونَ إتْيانُهُ مُسْتَوْعِبًا لِجَمِيعِ الجِهَةِ المُحِيطَةِ، [وأفْهَمَتْ الجِهاتُ الأرْبَعُ قَدْحَهُ وتَلْبِيسَهُ فِيما يَعْلَمُونَهُ حَقَّ عِلْمِهِ وما يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنهُ وما هو مُشْتَبِهٌ عَلَيْهِمْ اشْتِباهًا قَلِيلًا أوْ كَثِيرًا، وهم مَن تُرِكَ ذِكْرُهُ الأعْلى أنَّهُ لا قُدْرَةَ لَهُ عَلى الإتْيانِ مِنهُ لِئَلّا يَلْتَبِسَ أمْرُهُ بِالمَلائِكَةِ، وقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ في بَعْضِ الآثارِ كَما ذَكَرَهُ في تَرْجَمَةِ ورَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ] . ولَمّا عَزَمَ اللَّعِينُ عَلى هَذا عَزْمًا صادِقًا ورَأى أسْبابَهُ مُيَسَّرَةً مِنَ الإنْظارِ ونَحْوِهِ - ظَنَّ أنَّهُ بِما رَأى لَهم مِنَ الشَّهَواتِ والحُظُوظِ يَظْفَرُ بِأكْثَرِ حاجَتِهِ، فَقالَ عاطِفًا عَلى تَقْدِيرِهِ: فَلَأُغْوِيَنَّهم ولَيَتْبَعُنَّنِي: ﴿ولا تَجِدُ أكْثَرَهُمْ﴾ كَما هي عادَةُ الأكْثَرِ في الخُبْثِ ﴿شاكِرِينَ﴾ فَأُرِيدَ بِهِ الشَّقاءُ فَأغْرَقَ في الحَسَدِ، ولَوْ أُرِيدُ بِالشَّقِيِّ الخَيْرُ لاسْتَبْدَلَ بِالحَسَدِ الغِبْطَةَ (p-٣٧٠)[فَطَلَبَ] أنْ يَرْتَقِيَ هو إلى دَرَجاتِهِمْ العالِيَةِ بِالبُكاءِ والنَّدَمِ والأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ وبَذْلِ النَّصِيحَةِ خُضُوعًا لِمَقامِ الرُّبُوبِيَّةِ وذُلًّا لِعَظِيمِ شَأْنِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب