الباحث القرآني

ولَمّا انْقَضى ذَلِكَ، كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: وكَيْفَ يَخْتارُ عاقِلٌ ذَلِكَ؟ فَكَيْفَ بِمَن رَأى الآياتِ وشاهَدَ المُعْجِزاتِ؟ فَقالَ: ﴿سَأصْرِفُ عَنْ آياتِيَ﴾ أيِ: المَسْمُوعَةِ والمَرْئِيَّةِ عَلى عَظَمَتِها بِما أشارَتْ إلَيْهِ الإضافَةُ بِالصَّرْفِ عَنْ فَهْمِها واتِّباعِها والقُدْرَةِ عَلى الطَّعْنِ فِيها بِما يُؤَثِّرُ في إبْطالِها (p-٨٣)﴿الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ﴾ أيْ: يَطْلُبُونَ الكِبْرَ بِما لَيْسَ لَهم ويَعْمَلُونَ قُواهم فِيهِ ﴿فِي الأرْضِ﴾ أيْ: جِنْسِها الَّذِي أمَرْتُ بِالتَّواضُعِ فِيهِ. ولَمّا كانَ مَن رَفَعَهُ اللَّهُ بِصِفَةٍ فاضِلَةٍ فَوَضَعَ نَفْسَهُ مَوْضِعَها ولَمْ يُهِنْها نَظَرًا لِما أنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ ومَنَحَهُ إيّاهُ رُبَّما سُمِّيَ ذَلِكَ كِبْرًا، ورُبَّما سُمِّيَ طَلَبُهُ لِتِلْكَ الأخْلاقِ الَّتِي تُوجِبُ رِفْعَتَهُ تَكَبُّرًا، [ولَيْسَ كَذَلِكَ وإنْ وافَقَهُ في الصُّورَةِ، لِمُفارَقَتِهِ لَهُ في المَعْنى؛ فَإنَّهُ صِيانَةُ النَّفْسِ عَنِ الذُّلِّ، وهو إنْزالُ النَّفْسِ دُونَ مَنزِلَتِها صَنْعَةً لا تَواضُعًا، والكِبْرُ رَدُّ الحَقِّ واحْتِقارُ النّاسِ، فَفي التَّقْيِيدِ هُنا إشارَةٌ خَفِيَّةٌ لِإثْباتِ العِزَّةِ بِالحَقِّ والوُقُوفِ عَلى حَدِّ التَّواضُعِ مِن غَيْرِ انْحِرافٍ إلى الصَّنْعَةِ وُقُوفًا عَلى شَرْطِ العَزْمِ المَنصُوبِ عَلى مَتْنِ نارِ الكِبْرِ؛ قالَ الإمامُ السَّهَرْوَرْدِيُّ: ولا يُؤَيَّدُ في ذَلِكَ ويَثْبُتُ عَلَيْهِ إلّا أقْدامُ العُلَماءِ الرّاسِخِينَ] قالَ تَعالى احْتِرازًا عَنْهُ ومُدْخِلًا كُلَّ كِبْرٍ [خَلا] عَنِ الحَقِّ الكامِلِ: ﴿بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ أيْ: إنَّما يَخْتارُ غَيْرَ الأحْسَنِ مَن يَخْتارُهُ بِقَضائِي الَّذِي لا يُرَدُّ وأمْرِي العالِي عَلى أمْرِ كُلِّ ذِي جِدٍّ فَأُزَيِّنُ لِمَن عَلِمْتُ خَباثَةَ عُنْصُرِهِ ورَداءَةَ جَوْهَرِهِ ما أُرِيدَ حَتّى يَرْتَكِبُوا كُلَّ قَبِيحَةٍ ويَتْرُكُوا كُلَّ مَلِيحَةٍ، فَيَنْصَرِفُونَ عَنِ الآياتِ ويَعْمُونَ عَنِ الدَّلالاتِ الواضِحاتِ. ولَمّا أخْبَرَ بِتَكَبُّرِهِمْ في الحالِ، عَطَفَ عَلَيْهِ فِعْلَهم في المَآلِ فَقالَ: ﴿وإنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ﴾ أيْ: مَرْئِيَّةً أوْ مَسْمُوعَةً ﴿لا يُؤْمِنُوا بِها﴾ أيْ: لِتَكَبُّرِهِمْ (p-٨٤)عَنِ الحَقِّ ﴿وإنْ يَرَوْا سَبِيلَ﴾ أيْ: طَرِيقَ ﴿الرُّشْدِ﴾ أيِ: الصَّلاحِ والصَّوابِ الَّذِي هو أهْلٌ لِلسُّلُوكِ ﴿لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا﴾ أيْ: فَلا يَسْلُكُونَهُ بِقَصْدٍ مِنهم ونَظَرٍ وتَعَمُّدٍ، بَلْ إنْ سَلَكُوهُ فَعَنْ غَيْرِ قَصْدٍ ﴿وإنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ﴾ أيِ: الضَّلالِ ﴿يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا﴾ أيْ: بِغايَةِ الشَّهْوَةِ والتَّعَمُّدِ والِاعْتِمالِ لِسُلُوكِهِ. ولَمّا كانَ هَذا مَحَلَّ عَجَبٍ، أجابَ مَن يَسْألُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ: الصَّرْفُ العَظِيمُ الَّذِي زادَ عَنْ مُطْلَقِ الصَّرْفِ بِالعَمى عَنِ الإيمانِ واتِّخاذِ الرَّشادِ ﴿بِأنَّهُمْ﴾ أيْ: بِسَبَبِ أنَّهم ﴿كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ أيْ: عَلى ما لَها مِنَ العَظَمَةِ ﴿وكانُوا عَنْها﴾ [أيْ] خاصَّةً جِبِلَّةً وطَبْعًا ﴿غافِلِينَ﴾ أيْ: كانَ دَأْبُهم ودَيْدَنُهم مُعامَلَتَهم لَها بِالإعْراضِ عَنْها حَتّى كَأنَّها مَغْفُولٌ عَنْها فَهم لِذَلِكَ يُصِرُّونَ عَلى ما يَقَعُ مِنهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب