الباحث القرآني

ولَمّا أمَرَ الخَلْقَ بِمُتابَعَةِ الرُّسُلِ وحَذَّرَهم مِن مُخالَفَتِهِمْ، فَأبْلَغَ في تَحْذِيرِهِمْ بِعَذابِ الدُّنْيا ثُمَّ بِعَذابِ الآخِرَةِ، التَفَتَ إلى تَذْكِيرِهِمْ تَرْغِيبًا في ذَلِكَ بِإسْباغِ نِعَمِهِ وتَحْذِيرًا مِن سَلْبِها؛ لِأنَّ المُواجَهَةَ أرْدَعُ لِلْمُخاطِبِ، فَقالَ في مَوْضِعِ الحالِ مِن: ﴿خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ﴾ [الأعراف: ٩] ﴿ولَقَدْ مَكَّنّاكُمْ﴾ أيْ: خَسِرُوها والحالُ أنّا مَكَّنّاكم مِن إنْجائِها بِخَلْقِ القُوى والقُدَرِ وإدْرارِ النِّعَمِ، وجَعْلِنا مَكانًا يَحْصُلُ التَّمَكُّنُ فِيهِ ﴿فِي الأرْضِ﴾ أيْ: كُلِّها، ما مِنها مِن بُقْعَةٍ إلّا وهي صالِحَةٌ لِانْتِفاعِهِمْ بِها ولَوْ بِالِاعْتِبارِ ﴿وجَعَلْنا لَكُمْ﴾ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿فِيها مَعايِشَ﴾ أيْ: جَمْعُ مَعِيشَةٍ، وهي أشْياءُ يَحْصُلُ بِها العَيْشُ، وهو تَصَرُّفُ أيّامِ الحَياةِ بِما يَنْفَعُ، والياءُ أصْلِيَّةٌ؛ فَلِذا لا تُهْمَزُ، [وكَذا ما ولِيَ ألِفَ جَمْعِهِ حَرْفُ عِلَّةٍ أصْلِيٌّ ولَيْسَ قَبْلَ ألِفِهِ واوٌ كَأوائِلَ ولا ياءٌ كَخَيائِرَ جَمْعُ أوَّلَ وخَيْرٍ فَإنَّهُ لا يُهْمَزُ إلّا شاذًّا كَمَنائِرَ ومَصائِبَ جَمْعُ مَنارَةٍ ومُصِيبَةٍ] . ولَمّا كانَ حاصِلُ ما مَضى أنَّهُ - سُبْحانَهُ - أوْجَدَهم وقَوّاهم وخَلَقَ لَهم [ما] يُدِيمُ قُواهم، فَأكَلُوا خَيْرَهُ وعَبَدُوا غَيْرَهُ - أنْتَجَ قَوْلَهُ عَلى وجْهِ التَّأْكِيدِ: ﴿قَلِيلا ما تَشْكُرُونَ﴾ أيْ: لِمَن أسْبَغَ عَلَيْكم نِعَمَهُ ظاهِرَةً (p-٣٦٢)وباطِنَةً بِما تُنْجُونَ بِهِ أنْفُسَكم. وقالَ أبُو حَيّانَ: إنَّهُ راجِعٌ لِلَّذِينِ خُوطِبُوا بِـ: ﴿اتَّبِعُوا ما أُنْـزِلَ إلَيْكُمْ﴾ [الأعراف: ٣] وما بَيْنَهُما أُورِدَ مَوْرِدَ الِاعْتِبارِ والِاتِّعاظِ بِذِكْرِ ما آلَ إلَيْهِ أمْرُهم في الدُّنْيا وما يَؤُولُ إلَيْهِ في الآخِرَةِ. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب