الباحث القرآني

ولَمّا أخْبَرَ تَعالى عَمَّنْ أهْلَكَ بِالرِّيحِ ومِن أهْلَكَ بِما سَبَّبَهُ الرِّيحُ تَسْبِيبًا قَرِيبًا بِغَيْرِ واسِطَةٍ، وكانَ ذَلِكَ [ كُلُّهُ -] - لِخُرُوجِهِ عَنِ العادَةِ - رادًّا عَلى أهْلِ الطَّبائِعِ، أخْبَرَ بِمَن أهْلَكَ مِمّا سَبَّبَتْهُ الرِّيحُ مِنَ الماءِ (p-٣٤٧)بِواسِطَةِ السَّحابِ، وكانَتْ سَبَبَ تَطابُقِهِ عَلَيْهِمْ مَعَ أنَّ كَفْرَهم بِالتَّعْطِيلِ الَّذِي هو أنْحَسُ أنْواعِ الكُفْرِ لِلْقَوْلِ بِالطَّبِيعَةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الإنْكارَ لِلْبَعْثِ، وكانَ إغْراقُهم بِما يُكَذِّبُ مُعْتَقَدَهم لِخُرُوجِهِ عَنِ العادَةِ، فَقالَ مُنَبِّهًا عَلى قُوَّةِ كُفْرِهِمْ بِالمَجِيءِ: ﴿وجاءَ﴾ أيْ أتى إتْيانًا عالِيًا شَدِيدًا ﴿فِرْعَوْنُ﴾ أيِ الَّذِي مَلَّكْناهُ عَلى طائِفَةٍ مِنَ الأرْضِ فَعَتى وتَجَبَّرَ وادَّعى الإلَهِيَّةَ ناسِيًا هَيْبَتَنا وقُدْرَتَنا بِنِقْمَتِنا وأنْكَرَ الصّانِعَ وقالَ بِالطَّبائِعِ ﴿ومَن قَبْلَهُ﴾ أيْ في جِهَتِهِ وفي حَيِّزِهِ وما يَلِيهِ وفي السَّيْرِ بِسِيرَتِهِ مِنَ العُلُوِّ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ والعُتُوِّ في الكُفْرِ، وهو ظَرْفُ مَكانٍ، هَكَذا عَلى قِراءَةِ البَصْرِيِّينَ والكِسائِيِّ بِكَسْرِ الكافِ وفَتْحِ المُوَحِّدَةِ، فَعَمَّ ذَلِكَ كُلَّ مَن كانَ كافِرًا عاتِيًا مَن قَبْلِهِ ومِن بَعْدِهِ، وهو مَعْنى قِراءَةِ الباقِينَ بِفَتْحِ القافِ وإسْكانِ الباءِ المُوَحِّدَةِ عَلى أنَّهُ ظَرْفٌ يُقابَلُ ”بَعْدُ“ بِزِيادَةٍ. ولَمّا كانَ قَوْمُ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ جَمَعُوا أنْواعًا مِنَ الفُسُوقِ لَمْ يُشارِكْهم فِيها أحَدٌ، فاشْتَمَلَ عَذابُهم عَلى ما لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ عَذابٌ، فَكانَ كُلٌّ مِن فِعْلِهِمُ الَّذِي لَمْ يَسْبِقُهم بِهِ أحَدٌ مِنَ العالَمِينَ وعَذابَهُمُ الَّذِي ما كانَ مِثْلُهُ قَبْلُ ولا بَعْدُ، رادًّا عَلى أهْلِ الطَّبائِعِ، نَصَّ عَلَيْهِمْ مِن بَيْنِ مَن دَخَلَ فِيمَن قَبْلَهُ عَلى القِراءَتَيْنِ فَقالَ: ﴿والمُؤْتَفِكاتُ﴾ أيْ (p-٣٤٨)أهْلُ المَدائِنِ المُنْقَلِباتِ بِأهْلِها حَتّى صارَ عالِيَها سافِلًا لِما حَصَلَ لِأهْلِها مِنَ الِانْقِلابِ حَتّى صارُوا إيّاهُ واتَّبَعَتْ حِجارَةُ الكِبْرِيتِ وخَسَفَ بِها وغَمَرَتْ بِما لَيْسَ في الأرْضِ مِثْلَهُ وهي قُرى قَوْمِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿بِالخاطِئَةِ﴾ أيِ الخَطَأِ أوِ الأفْعالِ ذاتِ الخَطَأِ الَّتِي تَتَخَطّى مِنها إلى نَفْسِ الفِعْلِ القَبِيحِ مِنَ اللِّواطِ والصَّفْعِ والضُّراطِ مَعَ الشِّرْكِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن أنْواعِ الفِسْقِ والعِنادِ والطُّغْيانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب