الباحث القرآني

(p-٣٢٦)ولَمّا عَلِمَ بِهَذا أنَّهُ سُبْحانَهُ المُتَصَرِّفُ وحْدَهُ بِما يَشاءُ كَيْفَ يَشاءُ مِنَ المَنعِ والتَّمْكِينِ، وكانَ النَّبِيُّ ﷺ يَجِدُ مِن تَكْذِيبِهِمْ لَهُ - مَعَ إتْيانِهِ بِما لا يَحْتَمِلُ التَّكْذِيبَ بِوَجْهٍ - مِنَ المَشَقَّةِ ما لا يَعْلَمُ مِقْدارَهُ إلّا اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى، وكانَ عِلْمُ المَغْمُومِ بِأنَّ لَهُ مُنْقِذًا يُخَفِّفُ عَنْهُ، وكانَ عِلْمُهُ بِاقْتِدارِهِ عَلى ما يُرادُ مِنهُ أقَرَّ لِعَيْنِهِ سَبَبٌ عَنْ كَمالِ اقْتِدارِهِ قَوْلُهُ مُخَفِّفًا عَنْهُ عَلَيْهِ أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، لافِتًا القَوْلَ إلى التَّكَلُّمِ بِالإفْرادِ تَنْصِيصًا عَلى المُرادِ زِيادَةً في تَسْكِينِ القَلْبِ وشَرْحِ الصَّدْرِ: ﴿فَذَرْنِي﴾ أيِ اتْرُكْنِي عَلى أيِّ حالَةٍ اتَّفَقَتْ ﴿ومَن يُكَذِّبُ﴾ أيْ يُوقِعُ التَّكْذِيبَ لِمَن يَتْلُو ما جَدَّدَتْ إنْزالُهُ مِن كَلامِي القَدِيمِ عَلى أيِّ حالَةٍ كانَ إيقاعُهُ، وأفْرَدَ الضَّمِيرَ نَصًّا عَلى تَهْدِيدِ كُلِّ واحِدٍ مِنَ المُكَذِّبِينَ: ﴿بِهَذا الحَدِيثِ﴾ أيْ بِسَبَبِهِ أيْ خَلِّ بَيْنِي وبَيْنَهم وكِلْ أمْرَهم إلَيَّ ولا تَكْتَرِثْ بِشَيْءٍ مِنهُ أصْلًا فَإنِّي أكْفِيكَهم لِأنَّهُ [ لا -] مانِعَ مِنهم فَلا تَهْتَمَّ بِهِمْ أصْلًا. ولَمّا كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: وماذا تَعْمَلُ فِيهِ إذا خَلَّيْتَ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ؟ (p-٣٢٧)أجابَهُ بِقَوْلِهِ جامِعًا الضَّمِيرَ لِيَكُونَ الواحِدُ مُهَدَّدًا مِن بابِ الأوْلى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ﴾ أيْ فَنَأْخُذُهم بِعَظَمَتِنا عَمّا قَلِيلٍ عَلى غِرَّةٍ بِوَعْدٍ لا خُلْفَ فِيهِ ونُدْنِيهِمْ إلى الهَلاكِ دَرَجَةً دَرَجَةً بِواسِطَةِ مَن شِئْنا مِن جُنُودِنا وبِغَيْرِ واسِطَةٍ بِما نُواتِرُ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي تُوجِبُ [ عَلَيْهِمُ -] الشُّكْرَ فَيَجْعَلُونَها سَبَبًا لِزِيادَةِ الكُفْرِ فَنُوجِبُ لَهُمُ النِّقَمَ. ولَمّا كانَ أخْذُ الإنْسانِ مِن مَأْمَنِهِ عَلى حالَةِ غَفْلَةٍ بِتَوْرِيطِهِ في أسْبابِ الهَلاكِ لا يُحِسُّ بِالهَلاكِ إلّا وهو لا يَقْدِرُ عَلى التَّفَصِّي فِيها بِوَجْهٍ قالَ تَعالى: ﴿مِن حَيْثُ﴾ أيْ مِن جِهاتٍ ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ أيْ لا يَتَجَدَّدُ لَهم عِلْمٌ ما في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ بِغَوائِلِها، وذَلِكَ أنَّهُ سُبْحانَهُ يَغُرُّهم بِالإمْهالِ ولا يُعاجِلُهم بِالعِقابِ في وقْتِ المُخالَفَةِ كَما يَتَّفِقُ لِمَن يُرادُ بِهِ الخَيْرُ فَيَسْتَيْقِظُ بَلْ يُمْهِلُهم ويَمُدُّهم بِالنِّعَمِ حَتّى يَزُولَ عَنْهم خاطِرُ التَّذَكُّرِ فَيَكُونُوا مُنْعَمِينَ في الظّاهِرِ مُسْتَدْرِجِينَ في الحَقِيقَةِ فَيَقُولُونَ: قَدْ قُلْتُمْ: إنَّ القَدَرَ فائِضٌ عَنِ القَضاءِ وأنَّ الأعْمالَ [ قَضاءٌ -] وجَزاءَها قَدَرٌ، ويَقُولُونَ: إنَّ أفْعالَنا في الدُّنْيا قَبِيحَةٌ ونَحْنُ لا نَرى جَزاءَها إلّا ما يَسُرُّنا لَوْلا يُعَذِّبُنا اللَّهُ بِما نَقُولُ فَأنْتُمْ كاذِبُونَ في تَوَعُّدِنا فَإنّا كُلَّما أحْدَثْنا ما تُسَمُّونَهُ مَعْصِيَةً تَجَدَّدَتْ لَنا نِعْمَةٌ، وذَلِكَ كَما قادَهم إلى تَدْرِيجِهِمْ (p-٣٢٨)وهم في غايَةِ الرَّغْبَةِ، قالَ القُشَيْرِيُّ: والِاسْتِدْراجُ أنْ يُرِيدَ السَّيِّئَ ويَطْوِي عَنْ صاحِبِهِ وجْهَ القَصْدِ حَتّى يَأْخُذَهُ بَغْتَةً فَيُدْرَجُ إلَيْهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب