الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ [ في - ] أوَّلِ المُلْكِ أنَّهُ خَلَقَ المَوْتَ والحَياةَ لِلِابْتِلاءِ في الأعْمالِ، وخَتَمَ هُنا بِعَيْبِ مَن يَغْتَرُّ بِالمالِ والبَنِينَ وهو يَعْلَمُ أنَّ المَوْتَ وراءَهُ، أعادَ ذِكْرَ الِابْتِلاءَ وأكَّدَهُ لِأنَّ أعْمالَهم مَعَ العِلْمِ بِأنَّهُ عَرَضٌ زائِلٌ [ أعْمالُ - ] مَن ظَنَّ المُلْكَ الثّابِتَ والتَّصَرُّفَ التّامَّ، [ فَقالَ- ]: ﴿إنّا بَلَوْناهُمْ﴾ أيْ عامَلْنا - عَلى ما لَنا مِنَ العَظَمَةِ - الَّذِينَ نَسِمُهم عَلى الخَراطِيمِ مِن قُرَيْشٍ وسائِرِ عِبادِنا بِما وسَّعْنا عَلَيْهِمْ بِهِ مُعامَلَةَ المُخْتَبِرِ مَعَ عِلْمِنا بِالظّاهِرِ والباطِنِ، فَغَرَّهم [ ذَلِكَ - ] وظَنُّوا أنَّهم أحْبابٌ، ومَن قَتَّرْنا عَلَيْهِ مِن أوْلِيائِنا أعْداءٌ، فاسْتَهانُوا بِهِمْ، ونَسَبُوهم لِأجْلِ تَقَلُّلِهِمْ في الدُّنْيا إلى السَّفَهِ والجُنُونِ والضَّلالِ والفُتُونِ، فَيُوشِكُ أنْ نَأْخُذَهم بَغْتَةً كَما فَعَلْنا بِأصْحابِ الجَنَّةِ، فَكُلُّ مَن رَأى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَدِ ابْتُلِيَ بِهِ، فَإنْ آمَنَ كانَ مِمَّنْ أحْسَنَ عَمَلًا، وإلّا كانَ مِمَّنْ أساءَ. (p-٣٠٧)ولَمّا لَمْ تَعْرِفْ عامَّةُ أهْلِ مَكَّةَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِهِ ﷺ، أخْرَجَهُ اللَّهُ عَنْهم وأكْرَمَهُ بِأنْصارٍ جَعَلَهُ أكْرَمَ الكَراماتِ لَهُمْ، وكُلُّ مِن سَمِعَ بِهِ ولَمْ يُؤْمِن فَهو كَذَلِكَ، تَكُونُ أعْمالُهُ كَهَذِهِ الجَنَّةِ يَظُنُّها شَيْئًا فَتَخُونُهُ أحْوَجَ ما يَكُونُ إلَيْها، أوْ كانَ ابْتِلاؤُنا لَهم بِالقَحْطِ الَّذِي دَعا عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتّى أكَلُوا الجِيَفَ فَما تابُوا كَما تابَ ﴿كَما بَلَوْنا﴾ أيِ اخْتَبَرْنا بِأنْ عامَلَنا مُعامَلَةَ المُخْتَبِرِ مَعَ عِلْمِنا بِالظّاهِرِ والباطِنِ، وحاصِلُهُ أنَّهُ اسْتَخْرَجَ ما في البَواطِنِ لِيَعْلَمَهُ العِبادُ في عالَمِ الشَّهادَةِ كَما يَعْلَمُهُ الخالِقُ في عالَمِ الغَيْبِ، أوْ أنَّهُ كِنايَةٌ عَنِ الجَزاءِ ﴿أصْحابَ الجَنَّةِ﴾ عَرَفَها لِأنَّها كانَتْ شَهِيرَةً عِنْدَهم وهي بُسْتانٌ عَظِيمٌ كانَ دُونَ صَنْعاءَ بِفَرْسَخَيْنِ، يُقالُ لَهُ الضِّرْوانُ، يَطَؤُهُ أهْلُ الطَّرِيقِ، كانَ صاحِبُهُ يُنادِي الفُقَراءَ وقْتَ الصِّرامِ، ويَتْرُكُ لَهم ما أخْطَأ المِنجَلُ أوْ ألْقَتْهُ الرِّيحُ أوْ بَعُدَ عَنِ البِساطِ الَّذِي يَبْسُطُ تَحْتَ النَّخْلَةِ، فَلَمّا ماتَ شَحَّ بَنُوهُ بِذَلِكَ فَحَلَفُوا عَلى أنْ يَجُذُّوها قَبْلَ الشَّمْسِ حَتّى لا يَأْتِيَ الفُقَراءُ إلّا بَعْدَ فَراغِهِمْ، وذَلِكَ مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذْ﴾ أيْ حِينَ ﴿أقْسَمُوا﴾ ودَلَّ عَلى تَأْكِيدِ القَسَمِ فَقالَ: ﴿لَيَصْرِمُنَّها﴾ عَبَّرَ بِهِ عَنِ الجُذاذِ بِدَلالَتِهِ عَلى القَطْعِ البائِنِ المَعْزُومِ عَلَيْهِ المُسْتَأْصِلِ المانِعِ لِلْفُقَراءِ (p-٣٠٨)لِيَكُونَ قَطْعًا مِن كُلِّ وجْهٍ، مِنَ الصَّرِيمِ - لِعَوْدٍ يَعْرِضُ عَلى فَمِ الجَدْيِ لِئَلّا يَرْضَعَ، ومِنَ الصَّرْماءِ: المَفازَةُ لا ماءَ بِها، والنّاقَةُ القَلِيلَةُ اللَّبَنِ ﴿مُصْبِحِينَ﴾ [القلم: ٢١] أيْ داخِلِينَ في أوَّلِ وقْتِ الصَّباحِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب